مفرخةُ الحمقى / شعر : نجيب كيَّالي

افاق حرة

*********

(في أيامنا هناك من يشتم العصرَ الحديث، ويصفه بالجاهليَّة الجديدة، تقوم بذلك فئةٌ ممن فهموا الدينَ بصورة خاطئة)

*************

الجاهليةُ أنتُمُو، والبربريَّةْ
من ذِكركمْ يبست ورودُ المَزهريَّةْ
للحمق مفرخةٌ هنا برؤوسكمْ
هيهاتَ تهدأ في صباحٍ أو عشيَّةْ
من خيرها أغدقتُمُو، شكراً لكمْ
نِعماً على الدنيا كثيراتٍ سخيَّةْ
نِعماً أحارُ، وكم أحارُ بوصفها
اللهُ أنكرها، وحتى الجاهليَّةْ!
الشوكُ غادر كلَّ قفرٍ أغبرٍ
واختاركمْ داراً لسكناه هنيَّةْ
للخلف شئتُمْ أن تعودَ ركابُنا
هل عاد نهرٌ عن خطاه الأوليَّةْ؟!
هل عاد نحو القوسِ سهمٌ طائرٌ؟!
هيَّا أجبني يا دَعِيُّ، ويا دَعِيَّةْ
اللعنُ منكمْ طاف حول بيوتنا
كهديةٍ جاءت تسابقها هديَّةْ!
وركبتُمُو فوقَ المَدار، لعلكمْ
تتلاعبون به، بدورته السَّنيَّةْ!
كلَّ الفصول شطبتُمُو بحماقةٍ
ليظلَّ فصلٌ واحدٌ دونَ البقيَّةْ!
أنظارُكمْ نحو الوراء، فلم ترَوْا
بزمانكمْ شمساً مشعشةً قويَّةْ!
لم تبصروا نجمَ الحضارة ساطعاً
وسفينةَ التغيير تمشي لؤلؤيَّةْ!
والعِلمَ صار ببيتنا، بجيوبنا
في الهاتفِ الجوالِ، في الصورِ النقيَّةْ
في النتِّ، في سيارةٍ من تحتكمْ
لا في البعير، ولا طقوسٍ طَوْطميَّةْ
الفنُّ أطلقَ عالَماً من كبته
وبدائعُ الأنغام زادت شاعريَّةْ
لكنكمْ حرَّمتُمُو، أعلنتُمُو:
ضدَّ الفنونِ الغُرِّ حرباً سرمديَّةْ!
من (لا يجوز) وأختِها وشبيهها
طوَّقتُمُو الدنيا بأطواقٍ غبيَّةْ!
حتى التنفسُ بات كفراً صارخاً!
والمشيُ باليسرى إلى فِسقٍ مطيَّةْ!
تلك المقابرُ تشتهيكمْ، أسرعوا
كي تغمضوا الأبصارَ عن دنيا غَويَّةْ
العصرُ مكنسةٌ، إليها استسلموا
فالعيشُ كم قلتُمْ بعالمنا بَليَّةْ
*
لم تطلبوا في الأمس غُرَّ علومه
أو ما اصطفاهُ العقلُ خيراً للبريَّةْ
لكنْ طلبتُمْ لحيةً، ومَساوِكاً
وعباءةً، وشطبتُمُو فينا الهُويَّةْ!
الأمسُ لا الدرويشُ يرقص هائماً
لكنه فِكَرُ المعري الجوهريَّةْ
وَهْوَ ابنُ رُشدٍ، والفَرَابي والذي
ملأ الدُّنا ألوانَ شِعرٍ عبقريَّةْ
هو ذلك المنظارُ نحو سمائنا
قد أبدعَتْهُ خواطرٌ عُليا ثريَّةْ(١)
هو ما كرهتُمْ، ما رفضتُمْ، ويلَكمْ
أيديكُمُو بذرتُ بذوراً علقميَّةْ
تلك المقابرُ تشتهيكمْ، أسرعوا
كي تغمضوا الأبصارَ عن دنيا غويَّةْ
العصرُ مكنسةٌ، إليها استسلموا
فالعيشُ كم قلتُمْ بعالمنا بَليَّةْ
*

(١) إشارة إلى اختراع الأسطرلاب: منظار النجوم في بلاد العرب قديماً، وقام باختراعه ابن الشاطر الدمشقي.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!