آفاق حرة
بقلم الناقد : محمد رمضان الجبور
المتتبع للإنتاج الأدبي للأستاذ علي القيسي يعلم تماما أنه يمتاز عن غيره من الكتّاب والأدباء ، بهذه الشمولية التي يتسم بها ، فهو كاتب وأديب شامل ، يكتب في القصة وفي الخاطرة والمقالة ، وتتنوع موضوعات كتاباته ، فهو يكتب في الأدب والسياسة والاجتماع وغيرها من الموضوعات ، والكتاب الذي بين أيدينا اليوم شاهد على ذلك ، فقد أختار الكاتب والأديب علي القيسي له عنواناً يناسب محتواه ، ” شؤون وشجون ” فكثير من مقالات الكتاب التي زادت عن ستين مقالٍ أو أكثر تتحدث في شؤون عامة الناس سواء كان بالملاحظة أو بالنقد المباشر ، أما عن شجون ، فما أكثر الموضوعات التي يتناولها الكاتب في كتابه فتشعرنا بالحزن لما وصل إليه الإنسان في عصرنا الحاضر ، فكل ما تناوله الكاتب يمت إلى عصرنا الحاضر ، فكأن الكاتب يؤرخ لما يعاني منه المجتمع في العصر الحاضر ، وهذه ميزة لهذا المنتج الأدبي فقد تناول الكاتب قضايا كثيرة تؤرق المجتمع وتدور حوله ، ففي مقال بعنوان ” لا بهجة للأعياد” يقارن الكاتب بين الأعياد في الماضي والحاضر مغتمناً مناسبة أحد أعياد الفطر السعيد ، فيرى أن بهجة الأعياد في الماضي كانت أجمل بكثير لعدم وجود الهواتف الخلوية والتقدم التكنولوجي ، وأحياناً ينبري الأستاذ علي القيسي في كتابه هذا ناقداً لأمر لا يروق له ، فيقف عند مقالٍ للأستاذ حسني عايش بعنوان ” من أجل الحجاب لا …الأوطان ” فبعد أن يُقدم للمقال بما طاب من كلامه الجميل يتوقف وينتقد بعض ما جاء في المقال مما يخالف عقيدتنا وعاداتنا فيقول ” ولكن هناك ثغرات واسعة في المقال، يلمسها القارئ المتعمق والغيور على هويته العربية، وعقيدته الإسلامية ، إذ أن الكاتب وكأنه يخاطبنا من منبر أجنبي وبأيديولوجيات بعيدة كل البعد، عن حضارتنا العربية الإسلامية، ” ص 17
وهذا ديدن وأسلوب الأستاذ علي القيسي دائما يبدي رأيه ، وينتقد من يستحق الانتقاد ، وهذه سمة أخرى تمّيز هذا الكتاب ، فالصدق ومتابعة كل ما يستجد على الساحة سواء كانت هذه الساحة هي الساحة الأدبي أو غيرها ما يهم المتلقي والمواطن ، فقد دأب صاحب هذا الكتاب على الاطلاع والمشاهدة وتحسس ما يهم الساحة الأدبية والاجتماعية ، بمقالات قصيرة ، وبلغة سلسة عذبة ، بعيدة كل البعد عن التعقيد اللفظي ، فقاموسه المعرفي يمتاز بالتدفق وغزارة المعلومات ، وقاموسه اللغوي يمتاز بالبساطة والعذوبة وعدم التقعر باللغة .
من الأمور التي لاقت اهتماماً وأفرد لها الكاتب المساحة المعقولة والمقبولة الاهتمام بالجانب الديني والإيماني ، فقد ضم الكتاب مجموعة من المقالات التي تناقش الجانب الديني والإيماني ، لما لهذا الجانب من أهمية في حياة المجتمع ، فباح قلم كاتبنا بالعديد من الموضوعات ، فهو يمقت المادية التي يعيشها بعضُ الناس والتي من نتائجها تقزم الأخلاق والروحانية لدى الكثير من الناس ، ويحارب النفاق بكافة أشكاله وأطيافه وألوانهِ ، ومن العناوين التي تناول فيها الكاتب الجانب الديني على سبيل المثال لا الحصر ، ” قيم الإيمان والقناعة ” ، ” ثقافة التقوى ” ،
” تصرفات غير لائقة في رمضان ” ” الخلع أو الطلاق أبغض الحلال ” ” تأملات وجدانية ” ….والكثير من الموضوعات التي تحاكي هذا الجانب .
وفي خضم هذا الكم من المقالات والموضوعات لم ينس الأديب علي القيس أن يبث شجونه للوطن ، ففاض قلمه في الكثير من المقالات يناجي الوطن ، ويرسل أشواقه وحبه للوطن ، في بطاقات زينها بحروفه الجميلة ، وبمفردات تنبع من القلب والوجدان ، فتغزل في مدينته الحبيبة عمان بمقالٍ عنونه ، ” عمّان في القلب ” ، فهي الحبيبة الرائعة ، والحسناء الجميلة ، وملتقى الأفئدة والأرواح ، وهي القلب النابض بالمحبة والعشق والحياة ، ثم عرّج على وصف صيف عمّان ، وكيف أصبحت عمّان ملاذاً آمناً قلّ نظيره في المنطقة بأسرها ، وتحدث عن بعض منجزات الوطن التي لا تنتهي ، فذكر في مقالةٍ له المكتبة الوطنية ، ووصفها بالصرح الثقافي المتميز ، عرّج على أهم ما تقوم به من نشاطات واهتمامها بالكتاب والكتّاب ودعمها للكاتب الأردني بتوفير الوقت والمكان لإقامة الأمسيات والندوات والمعارض . ونحن بدورنا نتوجه إلى كل القائمين على هذا الصرح الثقافي المميز بالشكر والعرفان وإلى عطوفة مدير المكتبة الوطنية د. نضال العياصرة ، الذي يحاول بذل جهد غير عادي للوصول إلى قلوب الجميع .
تناول الكاتب علي القيسي بعض الظواهر التي أرّقت المجتمع الأردني مثل ، ظاهرة الاعتداء على الأطباء ، فهي ظاهرة جديدة على المجتمع الأردني ، وقد أخذت بالازدياد في الأعوام الأخيرة الماضية ، ومن الظواهر التي تحدث عنها الكاتب ، ظاهرة التسوّل ، فقد تحدث عن هذه الظاهرة على أنها ظاهرة موجودة في كل المجتمعات ، وهي تصبح مع مرور الأيام والممارسة عادة ، ظواهر كثيرة تحدث عنها كاتبنا ، وحاول إلقاء الضوء عليها للفت انتباه المسؤولين وأصحاب القرار ، للحد منها ما أمكن .
ظاهرة اطلاق العيارات النارية ، تحت عنوان ممارسات غير حضارية ، تناول الكاتب موضوع اطلاق العيارات النارية التي تسببت بموت الكثيرين ، وقد كُتب عنها مئات المقالات ، ومئات الندوات المسموعة والمرئية ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، حتى تتدخل جلالة الملك بنفسه لوضع حد لهذه الظاهرة السلبية التي باتت تؤذي الكثيرين .
وفي مكانٍ آخر تحدث الكاتب علي القيسي عن هموم الكتّاب وكيف أنهم يستنزفون كل طاقاتهم ويجهدون في الدراسة والبحث والتحليل والتفكر ويحملون في ضمائرهم هموم الأمة والوطن والعروبة والإسلام والإنسانية، نجدهم في أسوء حال، يعاني الواحد منهم من شظف العيش ومرارته، وضيق ذات اليد والفقر المدقع حتى أن بعض هؤلاء الكتاب لا يجد في جيبه أجرة الطريق للوصول إلى الجريدة التي يكتب فيها!؟ أليس ذلك من المفارقات العجيبة، أن تحمل هموم وأشجان وأحزان العالم والأخرين، وأنت لا تجد من يحمل بعضا من متاعبك وهمومك، وما تعاني أنت وأطفالك من نكد الحياة وقساوتها. نقول للأستاذ علي هذا هو قدر الكاتب والأديب فعليه بالصبر .
موضوعات وعناوين كثيرة تناولها الكاتب في كتابه تحدث فيها بلسان الناقد مرةً وبلسان الناصح مرة أخرى ، ومدح من يستحق المدح ، وذم من يستحق الذم ، وكتب بإيجاز وأجاد ، ونشر معظم هذه المقالات في الصحف والمواقع الإلكترونية ، وبقي أن نقول أن الكاتب أهدى كتابه لزوجته الراحلة والمرحومة بأذن الله ، والكتاب صادر عن دار يافا العلمية ، وقد قدّم له الشاعر الكبير محمد سمحان بمقدمة جميلة ويقول :” ” يتحدث علي في مخطوطه هذا بلغة بسيطة قريبة من العفوية، لغة بعيدة عن التعقيد في مبانيها و معانيها، كل ما يريده من المتلقي هو
حسن استقبال أفكاره، وقبول آرائه، بعيدا عن الفذلكات والتقعيرات والفيهقات ، وصدق من قال أن الكاتب هو الأسلوب وان الأسلوب هو الكاتب أي أن علياً يترك بصماته المميزة لشخصيته في ما يكتب،” نبارك للأستاذ علي القيسي هذا النتاج الأدبي المميز ونرجو له المزيد من الألق والنجاحات .