كمال محمود علي اليماني
شرفت بأن أهداني القاص العزيز راجح المحوري رئيس لجنة الكتاب نسخة من كتاب هو عبارة عن مجموعة قصصية ، وهو من إصدارات مجموعة تكوين للطباعة والنشر والتوزيع في المملكة العربية السعودية للعام 2023م.
جاء الكتاب في 106 صفحة من المقاس المتوسط ، وضم بين دفتيه عشرين قصة قصيرة لعشرين قاصاً موضوعها الأساس الحرب ومترتباتها.
لون الغلاف الغالب هو الأسود الساقط من أعلى إلى أسفل مظهراً اللون الأحمر في دلالة موحية بظلامية الحرب ودموية مترتباتها. تتدلى من الأعلى كف مدماة تحمل بين السبابة والإبهام وردة مدماة هي أيضاً تتساقط منها الدماء رامزة لهذه القطوف القصصية التي حوتها المجموعة؛ ليرتسم تحتها عنوان المجموعة ( قطوف دامية) باللون الأبيض ، وإن كنت أرى أن العنوان لو ارتسم باللون الأحمر لكان أصدق دلالة من الأبيض، وتحتها جاء التجنيس معلنا أنها مجموعة قصص قصيرة لنخبة من الأقلام اليمنية، وعلى اليمين شاب وشابة يغنيان للسلام –لاشك- فأمامهما مايكرفون ، وعلى اليسار طفل خائف يبكي ، وبينهما جنود مدججون بالسلاح ، وبيوت مهدمة، وهناك في الزاوية اليمنى يظهر اسم دار النشر( تكوين).
المفتتح كان موجزا ورائعا في الوقت ذاته تمثل في بيت للشاعر أبي تمام يقول فيه:
إن نفترق نسبا يؤلف بيننا ….. أدبٌ أقمناهُ مقام الوالدِ.
في إشارة واضحة إلى رسالة الأدب في لم شمل المتنافرين .
كتب مقدمة المجموعة أ.د أحمد علي الهمداني الأديب والشاعر والناقد والأكاديمي السامق.
ابتدأها بأبيات لجهابذة الشعر العربي عن الحرب، ثم عرج على قصص المجموعة كوحدة واحدة ، وكانت مقدمة ضافية لخصت في صفحاتها الأربع مقومات واتجاهات ولغة وتقنيات القصص العشرين ؛ بما لايدع مجالا للإضافة، فهي مقدمة صدرت عن عين ناقدة حصيفة وعليمة تنظر من الأعلى ؛ فترى مايغيب عن عين القارىء غير المتخصص.
أعقبت المقدمة كلمة لجنة الكتاب التي وضعها القاص رئيس اللجنة القاص راجح المحوري ( وكنت أتمنى أن أقرأ له قصة في المجموعة ) ، ولقد عرّفت اللجنة باتجاهها نحو تقديم تأريخ مخيال ينفذ في غبار الأحداث، فيسمع حشرجة المحتضر ، ويعد دمعات الثكلى ، ويتحسس بأصابعه أو ( قلمه) سخونة الجراح النازفة( حد تعبير اللجنة ).
وهذا يعني أن القصص لن تكون أرشفة وتوثيقا تأريخيا حقيقياً لأحداث الحرب ، ولكنها ستكون تأريخا مخيالا.
قصص المجموعة العشرون كانت لقاصين وقاصات من عموم اليمن .
وردت أسماؤهم على الغلاف الخارجي الأخير مرتبة بالألفبائية على النحو التالي:
أبوبكر الهاشمي .. أحمد علي بادي .. أعياد عامر.. أميمة راجح.. دعاء الأهدل.. سحر عبد اللاه صالح.. سكينة شجاع الدين.. سيناء السيفي .. سيناء الروسي.. شوقي دوشن.. صالح العطفي.. غادة عبدالله أبو لحوم .. كاميليا كامل.. محمد الخضر المحوري.. مروة صالح .. نجلاي فاضل.. نعمة الحميري .. وجدان الشاذلي.. ياسر الدالي .. يسرا البشيري.
كل قصة من القصص المعروضة سبقتها خاطرة للقاص تصب كلها في بوتقة الإدانة للحرب كما هو حال القص، وإن جاءت بلغة أرقى وأكثر عمقا.
وعلى الرغم من أن لفظة الحرب ومتعلقاتها من انفجارات ودماء وأشلاء وأسلحة قد وردت في ثنايا القصص مرات ومرات إلا أنه بالنظر للحقل الدلالي لعناوين القصص ؛ فإننا لانجد عنوناً واحداً حمل لفظة الحرب أو أياً من متعلقاتها باستثناء القصة الأخيرة ( نيران) ، إن نحن ترخصنا في نسبة النيران للحرب فحسب.
عناوين قصص المجموعة كانت كالتالي :
عائدة من القبر.. على حافة مصير يسبق دربه.. عناق وسط الركام.. شارع السجن( 2015) .. على حين غرة.. قميص أبيض.. انتظار وطن.. الوداع الأخير.. ولادة الأمل.. لأنه وحيدها.. طفولة مشردة.. شحوب.. عشة الغراب.. أحلام ممنوعة.. جنون .. أحداث جميلة ..وجع.. اقلعي عقلي.. اجتياح البراءة .. نيران.
هكذا عناوين تحيلنا لما جاء في كلمة المحوري التي أكد فيها مخيالية القصص في الحديث عن الحرب لا توثيقها تأريخيا.
ثمان قصص وردت في المجموعة سرداً بضمير الغائب ؛ في حين أن أثنتي عشرة قصة جاءت بضمير المتكلم مما يعزز فكرة المعاناة التي اكتوى بها الساردون أنفسهم ، ومدى مشاركتهم ، ليس الوجدانية فحسب، بل والذاتية ربما ، ومما يؤكد شدة وقع الحرب ومترتباتها عليهم .
والعجيب أن نفس الأعداد قد حدثت مع ورود الأسماء في القصص ، فثمان قصص حظيت بذكر أسماء أبطالها ، في حين أن أثنتي عشرة قصة لم ترد فيها أسماء أبطالها ، وفي هذا إشارة واضحة إلى عمومية الفاجعة وشموليتها، وهو ذات ماينطبق على الأماكن والأزمنة أيضا ، فالقصص جاءت في عمومها خالية من تحديد أماكن أو أزمنة للسرد إلا في قليل من الحالات لتؤكد الإدانة العامة للحرب وتأثيراتها الجسدية والنفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، وهي تأثيرات ظهرت موزعة في طي قصص المجموعة ؛ فكأن كتاب هذه القصص قد انحازوا نحو الإدانة العامة للحرب لا في اليمن فحسب ، بل في الأقطار العربية الأخرى ، وربما في عموم العالم.
الخط السردي لقصص المجموعة أفقي غير متقطع ولا متشظٍ ، فلا تكاد تجد استرجاعا أو استباقا في الزمن السردي ، وأحسب أن هذا هو الخط المناسب للسرد هنا؛ ذلك أم موضوع الحرب أمر يومي حاضر وبقوة ، يعيشه الساردون ويحيون معاناته ، فهو يحاصرهم ويتركهم أسرى اللحظة الراهنة ، فلا عود إلى الماضي ، ولا طيران للمستقبل.
جاءت قصص المجموعة في غالبها عقلانية في طرحها تدين الحرب بجملة، فهي لاتتهم أحدا ولاتشير إلى هذا الطرف أوذاك ، انشغلت بمترتبات الحرب وما أحدثته من انهيارات البشر ونفسياتهم ، وما أحدثته من خلخلة في المجتمع ، ويبدو لي أن الكتاب لاينتمون إلى أحزاب سياسية ، ولايرتكنون إلى أفكار تنحو ذات المنحى ، أو أن دار النشر ولجنة الكتاب قد اشترطت ذلك كي لاتقحم نفسها في دائرة التجاذبات السياسية المفرّقة ، ولا أدل على ذلك من البيت الشعري لأبي تمام الذي جاء في المفتتح:
إن نفترق نسياً يؤلفُ بيننا … أدبٌ أقمناهُ مقام الوالدِ.
كانت فكرة جمع هذه الإضمامة من القصص في كتاب فكرة رائعة وذكية،
وكان القاصون – بجملة – موفقين جدا في طرح أفكارهم ، وظهرت إمكانياتهم اللغوية والتقنية العالية في كتابة القصة بشكل جلي .
شكرا للقاصين واحداً واحداً وواحدة واحدة .. شكرا للجنة الكتاب ورئيسها القاص العزيز راجح المحوري .. شكرا لدار تكوين للطباعة والنشر والتوزيع. . شكرا لجمال أرواحهم