ثلاث قصائد. للشاعر. ناصر قواسمي

لآفاق حرة

#عليكِ_السلام_يا_شآم

أحمِلُني على كتِفي وأمشي
وحدي أحمِلُ وحدي على عاتِقي في الطّريقِ العام
قطعت العام تِلوُ العام
لا قُلتُ لِذاتي تعِبت
ولا ذاتي قالت لِذاتي خُذني إلى زَهرةٍ بَريّةٍ في الشآم
لِكنّني مشيْتُ
ومشى الطّريق بي إلى حتفي
ونِصفي كان قد بايَع على الرّحيلِ نِصفي
يا ويْل قلبي
كيف أعودُ لِمنزِلي ولا عين في القلبِ تكفي
كيْف أنهضُ مِن دِلائي والماء فاض فوق العِظام
يا ليْت روحي
كيف تَنبُت وردة في الجِدار
ثم تحبو كالعصفورة على الوَرقِ
كيْف تُنقِذِني ضحكة عابِرة مِن قلقي
مِن رمقي
وكيف يوَلَدُ عصفور طريّ صدفة مِن قلبِ الرُّخام
أمشي وتمشي الطّريق بي
كُلُّ المدائِنِ في راحةِ يدي تُبصرني
مِن أين أبدأُ الذّهاب يا حُزني
مِن لونِ القمحِ في وجهي رغمِ الأضدادِ يُغنّي
أم مِن ناصيَةٍ أعرفِها وتعرِفُني
و”باب توما” تترجّلُ كغزالةٍ عفيةٍ مِن سِبحةِ الإمام
عليكِ السّلام
عليكِ السّلام يا بُيوت
يا حُقول
يا زرع ينبُت رغم أنفِ الدُّخان
يا شوارع ترقُص رغم أنف الدُّخان
يا زمان هجَّ مِن زمانِهِ واتّحدَ مع بقايا الحُطام
ما خَفَّت الشآم
ما ثقُلت الشآم
ما صِرنا أبطأَ أو أحلَك
ما فَعلنا يا أمّ
لكِنّنا صِرنا أطهُر ونحنُ نحمِلك بين الحنايا والعظام

#ناصر_قواسمي
……

أنا رجُلٌ مُعقّد
مُعقّدٌ جدًا ومُتناقِض
لِدرجةِ أنني أكرهُ مساحيق التّجميلِ الّتي تُغيِّر أشكال النِّساءِ
بِصورةٍ مبالِغٍ فيها
وذلك بالرّغمِ مِن كوني أحبُّ الألوان بكلّ تفاصيلها وأحبُّ والفرح
أكرهُ الحفلات المُصطنعة والزّائِفة كالبضائِعِ الكاسِدة
رغمٌ أنّني أُحِبُّ الرّقص
أكرهُ الأفلام الّتي تعتمِدُ على البطلِ الواحِدِ الوحيد المُطلق
ويكون البقيّة مُجرّد وُجوه طارِئة تمرُّ مرور الكرام
المُسلسلاتِ الغبيّةِ الّتي لا تحمِل فِكرةً أوْ مضمون وتستند في مُجملِها
على الدّيكوراتِ والإضاءة
أكرهُ الموسيقى الرّديئة
والغِناء الّذي يَعتمدُ بصورة وحشية على الإيقاعِ
العُيونُ الّتي لا تستطيعُ أنّ تقلِب الكوْن رأسًا على عقِب
وتظُنُّ أنّ الفِكرة بحدِّ ذاتها إعجازية
النِّساء اللواتي يذهبنّ إلى السّوقِ
ثُمّ لا يُجبِرن السّوق على المشي ورائهن في طريقِ العوْدة
الماء الّذي يعتقِدُ
أنّه لا يستطيع عِناق النّار حتّى تنطفِئ
النّارُ الّتي تظُنُّ
أنّ فِكرة أن تَصيِّر حبّة “آيس كريمً” فكُرة مُستحيلة
الوردة الّتي تعتقِدُ
أنّ كَسر الرُّخامِ أمر بالِغ الصُّعوبةِ كالسباحة بلا يدين
العُشبة الّتي لا تسعى لِأنّ تعانِق الغمام
الكلام الّذي يَخجَل مِن الكلام
وأُحِبّ الطّريق الّتي لا توَدّي إلِى شيء أوْ مكان
الحُدود الّتي لا حُدودَ لها
البِلاد الّتي لا يُمكِن تحت أيِّ ظرفٍ مِن الظُّروفِ
أن تُسمّى بِلادًا
الحُبّ الّذي يودي في آخِرِ الأمرِ لِلنّزيفِ الحادّ أو السكتة القلبية
الموْتُ المُفاجِئ في عِزِّ الحاجةِ لِلحياة
الأسماك الّتي تفقِد ذاكِرتها بعد ثوان قليلة
الأفيال الّتي لا تنسى إطلاقًا
الجِمال الّتي تَملك ذاكِرة أُطوَل مِن الصّحراء
الماء الّذي يتعالى على الماءِ
الغناءِ الّذي ينقلِبُ على الغِناءِ
وأحبُّ تِلك النّوتة الّتي لا يُمكِن على الأطلاق تدوينها
الشّمس غيْر المُمكِنِ تلوينها
الحصاة الّتي تفرِض على الماءِ أن يلتفّ مِن حوْلها
الفِراخ الّتي تكسِر الكِلس وتخرُجُ رغِم أنفِهِ لِلضّوْء والحياة
أكرهُ الأرض الّتي
لا تحمِل شكل بِلادي
والبِلاد الّتي لا تحمِل نَفَس بِلادي
وأُحِبُّ بِلادي الّتي لا يُمكِن تحت أيّ ظرف من الظروف
أن أسمّيها بِلادي

#ناصر_قواسمي
……

أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ
لا أُريدُ مِنَ الماءِ سِوَى لُيونتهُ
مِنَ الهواءِ خِفَّتهُ
مِن الوَردِ طلعتهُ
ومِنَ الحُزنِ ما أصِلُ بِهِ خطَّ النِّهايَةِ أو أُعيد
أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ
لا أُريدُ مِنَ الغيْمِ هشاشَتُهُ
كُلّما هزّتُهُ ريحٌ دَلَق الماءَ مِن يديهِ
وراح يَسبحُ في الفضاءِ وحيدًا بلا رأسٍ أو يدينِ
أُريدُ مِنَ الظِّلِّ أن يخبِرني متى نصِلُ
أوْ ننفصِلُ
متى نذهبُ في المجازِ الخفيفِ
ومتى ننفلِقُ كموعدٍ طائشٍ تاهَ بينَ حبيبينِ
أُريدُ مِن العُمرِ أن يُلقيَني من يدِهِ
لعلّ يَلقُفني حظٌّ جافِلٌ في المدارِ أوْ يلقُفني جليدُ
أريدُ أن أتشكّل
أن أتبدّل
وأن أتحوّل دون أن أفقِد صفاتي ومزاياي
أن أُصيرَ أخفّ مِن فراشةٍ
أوْ أُثقِل مِن نفخةٍ في النّاي
وأن أتمشّى في الفراغِ كالضّوْءِ إذا اِشتَدّ العتم يزيدُ
أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ
أُريدُ أن أتماثل لِلشِّفاءِ
أن أنتهي أوْ تنتهي دِمائي
أن أُعطِّلَ اللُّغةَ الجاثِمةَ على صدري مِن ألفي إلى يائي
أنْ تخرُج بِلادي مِن أعضَائي
قبلَ أن يقتُلها حُزني أوْ تقتُلني أو يأخُذنا البريدُ
أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ سِوَى سنةٍ أوْدِعُ فيها وجِهي
فلا تُسرَق ملامِحي
سِوَى ظِلٍّ لا يُخونني في العتمِ ويَطعَنُ جوارحِي
أُريدُ أن أخرُج قليلًا عن ذاتي
أن أصوغَ قلبي كيْفما أُشاء أوْ أمحوهُ بممحاتي
أن أخرُج مِلء المَدى حُرًّا أوْ ميْتًا أو يخرُج عني الصّعيد
أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ
هل يُريدُ الموتى شيْءٌ أكثر مِن النّجاةِ
مِن فِكرةِ التأويلِ والتّضليلِ واِحتِمالِ الطُّغاةِ
هل يُريدُ الموتى شيْءٌ آخر وقد نَجَوا مِن كمينِ الحياةِ
مِن فِكرةِ السّيْرِ بيْن الجُموعِ بلا وُجوهٍ أوْ سيقان
هل يُريدون أكثر مِن الطّيَرانِ
لا لبسَ اليَوْم لا كأسَ اليَوْم لا يوْمَ اليَوْمِ والبصر حديد
أريدُ أن أُريد أن أُريد
ماذا نُريدُ
والطُّغاةُ في كُلِّ رُكنٍ مِنَ الأرضِ
يَحفرون في الصّخرِ سِيرتنا
وصورتَنا
ويَكتُبوننا على الملأِ كائِناتٍ مارِقةَ يكرهونها ويَكرهها الوُجود
أُريدُ ما أُريدُ أن أُريد
لا أُريدُ

#ناصر_قواسمي
…..

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!