هذا ديوان شعر للصديقة أماني المبارك، صدر بعمّان عن دار المعتز للنشر والتوزيع عام 2020.
وهذا أول أثر مطبوع يقع في يدي، ولن أطيل في الحديث عن ظلال الديوان.
نقرأ من القصيدة التي أخذت عنوان الديوان:
هناك؛
جَناح الظل
متّكئ على جدار الليل
اغتالني الصمت
كسّر فخّارة الروح
مملوءة تلك العبرات
غيمة هطلت على الأزقّة
صرخت حناجر الأطفال
نبتت في مخيمنا الشاحب حديقة
فزعت الأمها، هرعت للشوارع المتصدّعة بالوجع
هذه لعنة، هذه خطيئة!
اختبئوا في جيوب الفلاح المتربّع على أرضه
لا يقترب منكم فزع السوط
لا تحرقكم نار الحقيقة
اعتدل الظلّ بعد صحو الشّمس
قلّب أوراق الجريدة
تناثر الجميع تحت قدميه
الأطفال
الأمهات
الفلاح
الحديقة
صورة لا حياة فيها
أوهام تومئ بالأمل
خربشات عاشق ثمل
خيالات تلوّح بعذرية الوقت
هذه أنا باقترافك الغياب
تمثال أنهكه النّحت.
عندما أنهيت قراءة هذه القصيدة،
خلْتُ أنّني أقرأ “فانتازيا شعرية”
إن جاز هذا التعبير.
وأعطتنا الشاعرة أماني
إضاءة حول قصائدها بتعبير “وجدانيّات”.
والخطيئة في ذهننا التصقت بعلاقة جنسية محرّمة، وعادة ما تكون في الظلّ والعتمة،
وقد تنسحبُ على الفكر الظلامي.
ويعتقد الخيال الشعبي أنّ ثمّة لعنة تُطارد مرتكبيها أو تطارد محيطها وقد يكون هذا المحيط في “مخيّمنا الشاحب”.
وتُمعنُ المبارك في خيالها الواسع لتقول لنا بأستاذية:
اعتدل الظّل بعد صحو الشمس، قلّب أوراق الجريدة، ويا للهول لقد تناثر الجميع تحت قدميه..
لقد عَبَّت ونَهَلت من المدرسة السريالية الشيء الكثير، فقد لا يكون هناك ترابط بين الأفكار التي عبّرت عنها كلماتها، ولا نقول الرمزية في التعبير، فسمات الرمزية لها دلالات واضحة.
لكنّ شاعرتنا أبحرت في الغموض، وتاهت بقارئها نحو الضبابية.
وبالمناسبة هذه ليست صفات السّريالية إنما هي بعض مفرداتها.
على أنّ شاعرتنا تمتلك من الذّوق الموحي الشيء الوافر، فالخطيئة قد تُنبت أثراً محموداً على المستوى الخيالي فقط.
وتبقى أماني المبارك شاعرة تبحثُ عن موطئ قدم
لم تتبيّنهُ بعد.
ونحمل عصى الترحال الى قصيدة أخرى
عنوانها “جسد الآراك”:
تصافحت النظرات
جانب الشباك
أيد مرتجفة
منهمكة شتلة الآراك
تتناثر حبات الوجد
وأرض مقفرة الغياب
يحاول غرسها في قوّارة القلب
المنشغل بارتباكة اللّقاء العبثيّ
خرس فضيّ يتصبّب شفاه
وجسدان تلفهما حلقات الارتعاش
يقترب الظلّ …..
تنصهر المسافة
توقيت ساعتها الرّملية
يقلّبها القدر ثانية
ينجب مخاض الوداع من جديد
خطوات تتراجع
أنفاس تحترق
مشهر يلوّح لعابر الطريق
يحمل ريشة ….
مغموسة بذهب الشمس
الفصل الأول من الرواية
يرسم على الاهداء
امرأة من غبار
يلتف حول نحرها
شريط أصفر
تأمل القارئ للحكاية
قصيدة شاعر أرهقه الكتمان.
وسندخُلُ الى الآراك دخول مُعجب
فقد رُويَ أنّ علي بن أبي طالب دخل على زوجته فاطمة وهي تنظّف أسنانها بعود الآراك،
فقال:
حظيت يا عود الأراكِ بثغرها
أما خفت يا عود الأراك أراكَ
لو كنت من أهـل القتال قتلتك
ما فـاز منـي يا سِواكُ سِواكَ
وقد نتصالحُ مع أبيات شاعرتنا
فنظرات العاشقين تصافحت،
وحبّات الوجد تتناثر من شَتلة الآراك،
وقد حاول العاشق أن يغرسها في قوّراة القلب
على أنّ الجسدين تلفّهما حلقات الارتعاش.
والظلّ هذا الكائن الخفيّ يقتربُ منهما
والنتيجة:
خطوات تتراجع وأنفاسٌ تحترق.
وبذلك تكون قد أوصَلَت شاعرتنا فكرتها
بموسيقى وايقاع واضحَين في العدو والارتداد،والالتصاق والتراجع.
ولكلّ مفردة من هذه موقفها الشعوريّ
التي أفصحت شاعرتنا عنه بنجاح.
يبقى الوجدان سيّد الشعر.
وهذا ما فعلته هنا الشاعرة الرقيقة أماني المبارك.
وآمُل أن نلتقي مع ابداعات شاعرتنا بطريقة أكثر تصوّفاً، وبرمزية تتعدّى “الظّل”،
هذا الفكر الظلامي في وسط الجمال.