أنا البدوي المقيم في الترحال ؛ أنشد الراحة في السفر ومساورة الكلمات ؛ أرى
الوقت ملء يدي ؛أبسطه كيف أشاء ؛ وأقبض عليه متى أشتهي . الوقت بيني
وبيني وشوشات البين ؛ أنا الممتليء حد الفراغ مما يشغل الناس ؛ولا أكترث
بانحدارهم وراء الهاجرة يطلبون السلطان .
أنا الذي مشيت ؛منفردا ؛ بين النخيل ؛ وظلال النور ؛ أربت على الريح ؛ وأعلمها
خطوط الظهيرة في يوم قائظ ؛ وأحفظ أسرار العذارى تحت الطراف المعمد .
وأنشأت من مشيئتي شريعتي ؛أفتح للحياة قواميس اللغة ؛ وأدفن في الرمل كل
خبط عشوائي للمنايا ؛ وأقسم الصبابة بين فتيان القبيلة حتى إذا بلغ أحدهم سن البوح
مسحت على قلبه بأنفاس الفجر ؛ودحوته في المهامه يجوب دروب العشق حتى
إذا أبصر نفسه في مرآة فتاة بدوية تعلم كيف يصب دمعته في شجاعة دون
أن تراه وساوس الحرقة . لئن تفتك بك وردة من البراري أفضل أن تعيش
على وتائر الملوك .
تلك عيشة الفتى حين يبذر روحه بين مسالك القلب ووجيبه ؛ ليبدأ غزوته الكبرى
بين الروح ودبيب الترحال . فلا ريث ولا عجل؛ وصمت شفيف يدير نيزك البقاء .
للبدوي مبتدأ الكلام ؛فيه نوعه وخصائصه ؛يضع شهقات الروح على لسانه ليعين
خلوده في الكلمات. لا صحو للبدوي إلافي أصالته ؛ حين يكون ماشيا على قدميه
مترنما بنزوعه الذاني ؛ أو راكبا راحلته يماشي فرادته في حقيقته العينية لا
الصورية.
فالصوت مطلق لديه ؛حر يقلبه كيف يشاء على وتائر حباله الصوتية .قائما فيه
كما تقوم صفة الكلام في المتكلم. فالمعنى يصاغ لديه في إنشاده ودال على نفسيته.
فإن توله بطلل استعاده سماعا ؛وملأ فراغ روحه بكلام محبوبه ولو ضاع منه
في آنه ؛ أبقاه خالدا في مسامعه ؛ومرآة روحه.
أنا البدوي ؛حالا وخيالا ؛ أتقصد البداوة روحا لا عيشة ؛ واستغلظ على الحياة
رقة لا جفافا ؛ وأمشي في طرقات الكلام أيمم قلبي شطرالفضيلة ؛ولا أتخلى عن
عمامة اليقين وإن جاءتني الغواني بتيجان الملوك ؛ وطاوعتني الكلمات بما صح
في كتاب النخيل.
وماجنيت على أحد ؛وما جنايتي سوى على الخذلان.