أعشق بعينيّ، وأهوى الأشياء التي أتحسسها بأصابع يديّ، لا تخبريني أن للسكر مذاقاً حلواً، بل أعطني قطعة سكّرٍ أضعها بين شفتيّ، وأتذوقها بطرف لساني، أعيش حلوها مغمضا ناظريَّ، ولا تخبريني أنّ لسماءك نجوماً بهيّةً، بل خذي بيدي حتى أمدّها وأقطف مصابيحها الزيتيّة، ولا تقولي لي أنّ الربيع جميلٌ ما دام أنّنا في الشتاء.
أمّا الآن، أثناء هذه اللحظة لا بعدها، أخبرك يا عزيزتي، أو كما أسميك صديقتي، أنّني أصبحت أُغرم بأذنيّ، منذ متى؟ منذ اللحظة التي سمعت بها ترانيم صوتك التي جاءت تطوي كلّ المسافات التي بيننا، محمولةً على كفّ الهواء العليل، متسلّلةً من خرم الباب، متحديّة عزلتي ووحدتي، سمعتها؛ فأطربتني، بالله عليكِ ماذا أسمعتني؟! قد سمعت في صغري زقزقة العصافير، و سمعت منذ عهدٍ بعيدٍ تغريد البلابل، وحين شببت أنصت لأعذب سمفونيات بيتهوفن، وأُطربت لأم كلثوم وألحانها، لكنّه لم يمر على قلبي مثل بحّة صوتكِ تلك، ومثل هذه الألحان، ويلٌ لفيروز، كيف تعتلي المسرح؟ وأنت ها هنا، وكيف سواها اعتلى ويعتلي؟ تبًّا لهم جميعاً، رباه ارحمني، ما هذا الصوت؟! أخبريني هيا، أين كنتِ؟ وأين اختبأتِ؟ وكيف لم أجدك؟ كم مررت بجواري ولم أنتبه؟! وكيف مررتُ بذات الشارع ولم أرك؟ هل أنا من تأخرت أم أنتِ؟ لم جئت الآن؟ في آخر لحظاتي هنا، لم عزفت همساتك مع آخر أنغامي؟ ماذا أقول لحقيبتي التي جهزتها للسفر؟ ماذا أقول لمرآتي التي غلّفتها بالورق؟ كيف أعود لهم من جديدٍ؟ ماذا أقول لدمعاتهم التي انسكبت فيضًا؟ وكيف أبقى هنا؟ رجوعي عن مرادي صعبٌ أكيدٌ، واستمراري واقفاً أمام عينيكِ محال، سأشتاقك، سأشتاقك، والثالثة سأشتاقك، وإنّي حين أكتب إليك ألهث، ألهث، ألهث، وأتألم، وإنّي أقرأ عينيك الآن، وأعرف ما يدور في خلدك مع صدى كلماتي، لا تفكري بها، بل قوليها، مجنونٌ، نعم، والأجدر بذلك مني، هو أنتِ.
علاء عبد الرزاق المحمود