أسماء وأسئلة: إعداد وتقديم : رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة والمترجمة السورية المقيمة في كندا جاكلين سلام
أحرقوا أوراقي مرة، وأحرقتها بنفسي مرة، والآن أعمل على أرشفة الأثر المكتوب
للمثقف دور مؤثر وبناء من خلال تفعيل القيم الإنسانية والتسامح والانفتاح على الثقافات الأخرى
أول ديوان صدر لي كان بمثابة معمودية الروح بالحبر
(1) كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
شاعرة وكاتبة سورية مقيمة في كندا منذ ربع قرن. تحتفل لوحدها بدواوين الشعر وبالمقالات والترجمات والبحوث بالكتابات العربية والانكليزية لتكتسب المعرفة وتنقلها إلى الآخر. امرأة ترى في عالم الكتاب مساحة للمغامرة الخلاقة. أنا ممتنة للفضاء الالكتروني لأنه يربطني بالمغرب العربي والعالم.
(2) ماذا تقرأين الآن وماهو اجمل كتاب قرأته ؟
في هذه الأيام أقرأ كتاباً صدر بالانكليزية عن المفكرة الفرنسية سيمون دو بوفوار عام 2012، يحوي الكثير من المقالات وبعضها لم ينشر. كما يشمل سيناريو فيلم كتبه ويعالج مسألة التقدم في العمر ومعاناة كبار السن في دور العجزة في فرنسا.
أجمل كتاب قرأته؟ قرأت كتبا جميلة كثيرة، ولكنني مؤخرا قرأت كتابا بالانكليزية بعنوان: “الكتابة بلا خوف” لكاتب امريكي “وليام كينور” والكتاب محور لتحسين الكتابة الإبداعية والثقة بالنفس بالتغلب على الخوف والرقابة. لغة بسيطة وعميقة من خبير في فن الكتابة. تمنيت لو أنني كاتبة ما يشبه هذا أو على الأقل مترجمته إلى العربية.
(3) متى بدأت الكتابة ولماذا تكتبين؟
كنت أشاغب طوال عمري على الورق إلى أن وجدت اسمي على أول ديوان شعري عام 2001 وأنا في كندا. كان أول إصدار الكتروني نشر على موقع “المرايا الثقافية” ويحرره آنذاك الدكتور الناقد “علي بن تميم” الذي يشارك في لجنة نقاد برنامج أمير الشعراء لهذا العام. لم أتوقف عن القراءة والكتابة. هذا شغف أعيشه وأمارسه فأشعر بالتوازن وسط غوغاء وفوضى العالم. أنا أقيم في واحدة من أكبر مدن كندا، الاسمنت والزجاج من جهة وقلبي في الجهة الأخرى يبتكرأناشيده الصغيرة وسط العواصف والثلوج وإحداثيات الغربة.
أكتب لأنني استمتع بتقشير مخيلتي وسردها وتقاسمها معكم. وأكتب لأنني أحلم بأن أوسّع رقعة الإنسانية والجمال خطوة. أكتب لأنني بكلمات أستطيع أن أسكن قلبا غريبا وربما أكتسب كراهية أحدهم.
(4) ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟
مدينة طفولتي، ديريك في أقصى الشمال الشرقي السوري، ذاكرتي هناك. ولكن أشتاق إلى مدينة حلب السورية حيث المرحلة الجامعية وبدايات تكور عناقيد الوعي والعشق والحياة الشبابية هناك. حين أفكر بالعودة إلى هناك أحزن كثيرا لأن الأهل والأصدقاء هاجروا إما طوعا أو بسبب الحرب السورية البشعة. ولا أظنني أجرؤ على العودة إلى سوريا في هذه المرحلة!
(5) هل انت راضية على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟
حين أعود إلى كتابات قديمة أجد بالامكان تعديلها والوصول إلى صيغة أجمل. لا شك أن التجربة تشذب الموهبة التي تتعمق بالقراءة والمثابرة.
لدي الكثير للنشر وهو تقريبا نصف منجز: قصص قصيرة، ترجمات من الانكليزية إلى العربية، كتاب في النقد الثقافي، آخر للحورات، بالإضافة إلى أدب اليوميات، ومجموعة شعرية. سيكون بعضها منجزا إن لم يكن كلها هذا العام، لأنني سهرت عليها ساعات طويلة منذ سنوات.
(6) متى ستحرقين اوراقك الابداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟
سؤال لئيم ويحتاج إلى وقفة طويلة. مرة أحرقوا أوراقي دون موافقتي. ومرات قمت طوعا بإحراق المسودات التي لدي في كندا. ثم بدأت بأرشفة ما أريد الاحتفاظ به لنشره وتوثيقه الكترونيا على الأقل. هل سأعتزل الكتابة يوماً؟ لا أعتقد أريد ذلك إلا إذا أصابني العجز بصورة ما. لم أكتب كل ما في رأسي بعد.
(7) ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أتمنى أن أتقدم وأتفوق على نفسي. أعيش حياتي كما لو أنها ورشة كتابة جوالة. أنتقي من الأيام صورها وحكاياتها ومن مخيلتي أصيغ لها وجها جديدا. أنا اشتغل في الترجمة في أوقات مختلفة من النهار والليل ولذلك لا يوجد برنامج ثابت للكتابة. لكن الصباح وقت جميل للمشاريع القصصية والطويلة، أما الشعر فهو ضيف كل الأوقات وسيدها والمنقذ.
(8 هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها ام هو مجرد مغرد خارج السرب؟
يجب أن يكون للمثقف دور مؤثر وبناء من خلال تفعيل القيم الإنسانية والتسامح والانفتاح على الثقافات الأخرى. يكون المثقف خارج القطيع أو السرب بابتكاره صيفة فنية وفكرية تتجاوز السائد وتحث على الابتكار واختراق الكوابح الصدئة التي تعيق تقدم العقل والفكر.
(9) ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
أعيش وأعمل في كندا منذ سنوات ولي حرية اختيار ما أريد أن أفعل بوقتي وطاقتي إلى حد كبير. الكاتب يحتاج إلى وقت للتفاعل مع المجتمع والتعرف على أعماقه عن قرب وتجربة، ثم يحتاج تالياً للاعتزال قليلاً أو طويلاً للكتابة والـتأليف والترجمة،حسب الشغف والظرف الشخصي.
كي تنصت إلى إيقاعك الذهني الداخلي لا بد أن تصمت وتفكر ثم تأتي بصيغة جمالية تشتبهك وتدل عليك.
(10) شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا ؟
ربما أرغب في لقاء جدنا المهجري المفكر جبران خليل جبران وأعضاء الرابطة الثقافية القلمية والأندلسة التي ضمت عددا من عباقرة كتاب المهجر مثل: ميخائيل نعيمة، نسيب عريضة، إيليا أبو ماضي وغيرهم. قرأت أن معاناتهم المادية كانت شديدة، ومع ذلك أنتجوا ثقافة مميزة سيخلدها التاريخ. لربما كنت أدعوهم للحوار في صالوني الثقافي، وأقدم لهم صحن تبولة وشراب وقصصنا البائسة والمعاصرة.
(11) ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ؟
لو عدت الى الماضي لما بدأت الدراسة في كلية الهندسة الكهربائية، ولما تزوجت وأنا بعد طالبة. ومع ذلك لا أندم على شيئ. وما زلت أتعلم من أخطائي ولن أصبح حكيمة مادمت اخترت حرية التعبير عن صوتي ومخيلتي كما أستطيع وأرغب.
(12) كيف تتعايش الشاعرة مع المترجمة والصحفية تحت سقف واحد في حياة المبدعة جاكلين سلام حنا ؟
هناك شجار دائم بيني وهذه الحقول . أبدأ كتابة ما ثم يطلب مني عمل عاجل في الترجمة، أبدأ مشروعا في الترجمة ثم أتركه نصف منته وأذهب لكتابة مقالة صحفية ورأي أريد أن أعبر عنه فوراً. لستُ حازمة في وضع برنامج ثابت وخطوات لكل يوم. أمارس الكتابة بحرية ومتعة وكثيراً ما أخذ كل العوالم التي في رأسي للسير في الثلج أو الغابة أو الجلوس في المقهى لاستنشاق رائحة الحياة بكل فصولها وأعود منتعشة.
(13) الى ماذا تحتاج المرأة المغربية لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعنا الذكوري بامتياز. الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
المرأة المغربية أو المشرقية تحتاج إلى الاستناد إلى قانون ودستور يشرع لها حقوقا تحفظ لها حقها في الاختيار والعمل والحصول على دخل مادي لا يقل عن دخل الرجل في نفس الحقل المهني. تحتاج المرأة إلى اعتبارها كيانا مستقلا وليس تابعاً للأب ثم للزوج، وربما هذه هي الشجاعة التي كانت تطالب بها نوال السعداوي.
(14) ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
كل فقد مادي أو معنوي تبقى له رواسب في الروح وآثار على الجسد. نفقد الشباب والأوطان والأحبة، ولكننا لا نفقد الحلم بأن نخلق أمكنة بديلة وحباً جديدا. في هذه المرحلة لا أشعر بالفراغ رغم كل المفقودات. ربما الكتابة تخلق البدائل المجازية وتسبب الفرح والامتلاء!
(15) صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن ديوانك الأخير ” تطعم الغيمات برتقالا “، كيف كتب وفي أي ظرف؟
ديوان تطعم الغيمات برتقالاً صدر في أواخر 2022 في طبعة ثانية لديوان سبق نشره ولم يعد متوفراً في السوق. ميزة هذه الطبعة أنها صدرت في تنسيق فني يجمع بين صور التقطها بنفسي، وتوزيع بفنية تحقق المتعة للقارئ وهو يقلب الصفحات الالكترونية أو الورقية. الديوان يحكي أنشودة المكان والتاريخ والبيئة المحيطة بامرأة مهاجرة في كندا. ربما يأتي ناقد كريم ويقول لنا ماذا أخبرته القصيدة!
(16) هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
البيت الأول منظومة روحية ثقافية اجتماعية متجذرة في كيان المهاجر. كل منا يقضي عمره كي يتحايل على تلك الفجوة التي خلقها فقد اللغة الأولى بالإضافة إلى الفراقالجغرافي والعيش بصيغة مختلفة عن الأولى. هذه الانتقالة تختلف من فرد إلى آخر. مقدرة الإنسان على التأقلم رهيبة. لا أحد يموت من الشوق والفقد والغربة!
(17) اجمل واسوء ذكرى في حياتك؟
أسوأ ذكرى وأصعبها حين كان أبي رحمه الله على سرير الموت في سوريا وأنا هنا وحيدة لا أستطيع أن أمسك بيده، أو أسمع صوته. حياتي عامرة بأحداث سعيدة ولها خصوصية ربما لا تهم الآخر. لكنني كنت سعيدة حين نشرت لي أول قصيدة، وحين نشر لي أول ديوان شعري بعنوان” خريف يذرف أوراق التوت” كان ذلك بمثابة معمودية الروح بالحبر والحلم الشاسع.
(18) كلمة اخيرة او شئ ترغبين الحديث عنه؟
وسائل التواصل الاجتماعي لها فوائد ومنها مقدرتنا على التواصل معكم للتبادل المعرفي، ولها سيئات أيضا. سعيدة بالتعرف على أسماء جديدة مرموقة في الكتابة والنقد من دول المغرب العربي.