لصحيفة آفاق حرة
بطاقة تعريفية بكتاب
(مطر الذاكرة) للكاتبة: كاملة بدارنة. فلسطين.
المحرر الثقافي لآفاق حرة: الروائي محمد فتحي المقداد
صدر حديثًا كتاب “مطر الذاكرة” للكاتبة “كاملة بدارنة”. يصنف الكتاب في خانة أدب القصّ، ويحتوي على مجموعة من نصوص القصة القصيرة. والقصيرة جدًا. رغم أنهما لَوْنان أدبيّان مُختلفان بطريقة البناء السردي بين الطول والقصر في حجم النصّ، والمساحة الافتراضيّة لكلّ منهما، لكنّهما ينتميان للٍجنس القصصيّ، ولكلّ منهما أدواته المختلفة عن الآخر.
لو كان الكتاب جنسًا أدبيّا واحدًا، لكان ذلك هو الأفضل على صعيد تجربة الكاتب، وللقارئ أيضًا؛ لتكوين فكرة واضحة من جماليّات النّصوص، وليأخذ نفسًا عميقًا قائمًا على التعمّق في الأفكار، وتشرُّب رسالة أي نص بيسر وسهولة.
بالتوقُّف في رحاب العنوان (مطر الذاكرة) الذي يعدُّ عتبة الكتاب للوُلوج إلى عوالم العناوين الفرعيّة، وما يندرج تحتها من حكايات وأفكار وجُمَل منتمية لعالم الأفكار.
الكلمة الأولى “مطر” والثانية “الذاكرة” تتباعدان وتتناقضان بتآلف وليس بتنافر. كون الأولى “مطر” بدلالتها: ماديّة ملموسة ذات أثر مرئيّ ومحسوس، بينما “الذاكرة” ذات منحى للمعنويّ المخياليّ غير الملموس. وتتباعدان بهذا المنحى بانزياح بدلالة الكلمتيْن، وهي مفارقة تفتح فضاءات التساؤلات والتأويلات.
“مطر” قاعدة تقوم على حياة الكون أجمع، وتؤسّس لحركة المخلوقات جميعها وفق هذا المُعْطى. والمطر هو الخير المُرتجى لإدامة الحياة. ومُخرجات المطر سواء كانت مياهًا أو ثلوجًا، بالأنهار والأودية والينابيع والبحار والمحيطات، لتشكل المياه ثلثي مساحة الكرة الأرضيّة؛ فالماء الحلو استخدامه واضح ومعلوم، وكذلك المالح لحفظ الكون من التعفّن.
“الذاكرة” الكلمة الثانية من العنوان، جاءت معرفّة دالّة على ذاكرة إنسان مُعيّن، وهنا هي دلالة على الكاتبة وأبطال نصوصها مع ذاكرة الأمكنة التي تستنهضها الحكايا.
وبالوقوف على شُرفة التأويل في محاولة للربط، والتوفيق بين الكلمتين: تشبيه الذاكرة بالسماء، فلم ترد كلمة السّماء أبدًا، ولكنّ دلالة المطر على السّماء، وهذه المسافة ما بين السّماء والأرض تجلّت الذاكرة باسترجاع البعيد أو القريب، وفي المحصّلة كله ذكريات، ربّما مليئة بالأفراح والمسرّات والأحزان، وتتبدّل مع تبدّل الزمان والمكان. وبالطبع الذاكرة من خصوصيّات العقل والتدبُّر، وهما ميّزة الإنسان عن باقي المخلوقات الحيّة العجماء، وبموته تموت ذكرياته معه.
هذه المجموعة تناولت في بعض قصصها أفكارًا من مواضيع حديثة مثل الطاقة العلاجيّة، وقانون الجذب، وما يسمّى بالتنمية البشريةّ، والنظريّة الكونيّة .. وغير ذلك من التقاطات اجتماعيّة ذات بُعد إنسانيّ.
النُّصوص عكست روح وفكر الأديبة “كاملة بدارنة“، ومن خلال خبرتها الكتابيّة على مدار سنوات، عالجت مجموعة قضايا بعقلانيّة واضحة، بلا تسرّع وتهوّر؛ فجاء أسلوبها الأدائيّ في بناء سرديّة النُّصوص قصصيًّا، بثيمة تعليميّة، ووعظيّة، وخِطابيّة، انعكست آثارها في ثنايا النّصوص القصصيّة، وطريقة إدارة فكرة النّصوص.
كما أنّ الكاتبة كتبت بصيغة واسم الرّاوي البديل الذي يحكي عن حدث ما، أو عن البطل الذي لم ينطلق على سجيّته بالتفاعل، ليملأ النصّ بالإثارة والصّراع. تتفاوت النّصوص بتقنيّاتها مُتراوحة ما بين العاديّ والمتميّز منها. كلّ ذلك جاء على محمل من اللّغة السّليمة الخالية من الأخطاء الإملائيّة والنحويّة والصاغيّة، ما يعكس تمكّن الكاتبة من أدواتها، ودِرايتها فيما تريد الوصول إليه بكتابتها الملتزمة ذات البُعد الإصلاحيّ من خلال رسائلها المُستنتَجة بعد القراءة.
وبتتبّع لعنوانات المجموعة التي عتبات النصوص، جميعها تدور في فلك العنوان الرّئيس (مطر الذاكرة)، لتعزيز فكرته، وهيمنته على المجموعة بأكملها. وبعضها يحيلنا، ويعيدنا إلى أجواء كتاب (كليلة ودمنة) الذي يتكلم على لسان الحيوانات، حينما يستأنسها الكاتب، ويحكي على لسانها من خلال التورية، وهو اتبعته “كاملة بدارنة” في عدد من نصوص مجموعتها. ومجموعة “مطر الذاكرة” إضافة نوعيّة وقيميّة ملتزمة للمكتبة العربيّة.
عمان. الأردن
27/ 4/ 2022