لصحيفة آفاق حرة:
بطاقة تعريفية
بكتاب “عناقيد عنب” للأديبة الأردنية “سميرة عرباسي”.
المحرر الثقافي – الروائي محمد فتحي المقداد
المقدمة:
صدر حديثاً كتاب “عناقيد عنب” للأديبة الأردنية “سميرة عرباسي“، وهو إصدارها الأول، ولسهولة التعاطي مع المنتج الأدبي بشكل عام، لا بدّ من تسمية اللون الأدبي الذي كتبت فيه سميرة “عناقيد عنب“، وللخروج من دائرة إشكالية الخلاف، فلن أتردّد في الذهاب إلى رحاب الخاطر وهو ما خطر للإنسان في دواخله، من فرح وحزن، وتفاؤل وتشاؤم، واجتهاد وكسل، وصحوة وكبوة، وشجاعة وجُبن، وهكذا إلى آخر قائمة المتقابلات والمتضادات الناتجة التفاعل الإيجابي والسلبي، والتعاطي مع الواقع. والخواطر حالة إنسانية عامة، يتشاركها جميع بني البشر.
العنوان ودلالاته:
من خلال تتبع معظم نصوص الكتاب “عناقيد عنب“. لوحظ أن الذاكرة هي محور استجلاب النصوص والأفكار، وعلى محمل الذاكرة ارتسمت ملامح ذاتية الكاتبة “سميرة عرباسي“، وإذا انتحينا جانبًا آخر، أجيز لنفسي بالذهاب إلى أنها جزء من سيرة ذاتية، موشّاة بخيوط ذهبية ذات أبعاد أدبية، بلغة متفاوتة التدرج ما بين العالية والمتوسطة البسيطة مُستبيحة مباشرة الطرح.
وكما يقال: ” فإن المكتوب يُقرأ من عنوانه”، والعنوان عتبة النصّ الأولى، بما تفتح شهيّة القارئ لالتهام النص، وبما تفتح له من أبعاد دلالية، باعثة على المقارنات والتساؤلات، والذهاب للتأويلات التي ربما تخطئ في كثير من جوانبها، أو تصيب في أقلّها.
و”عناقيد عنب” هذا العنوان الذي يرمي بمفاتيحه، لمتابعة، كلمة عناقيد جمع، وعنب مفردة وجمع في آن واحد. وكم هي الآيات القرآنية التي جاءت على ذكر كلمة “عنب، وأعناب”، يغني ذلك أن العنب فاكهة تعيش في معظم بقاع الكرة الأرضيّة، ويعرفها جميع البشر. ففي رؤيتنا الأولى من خلال للنص الذي تربع كعنوان رئيس للكتاب. من خلال رؤية الكاتبة: “لا شيء يشبهك سوى عنقود عنب، ألم تر بيني وبين الجمال علاقة سوى ذلك العنقود؟!!”. ص٦٤. وتقول أيضًا: “ولكن عيناك الخضراوين جعلاني أربطك كثيرا بعنقود العنب، فحين أعود من المغترب صيفا، وأجلس تحت دالية منزل جدي؛ أشعر ببرودة الظل تسري في جسدي، وأشعر بذلك الاحتماء اللذيذ من الحر.. تماما كجلوسي معك، وأنت تظللين قلبي بنظراتك التي اكتست بعشب عينيك الأخضر وعبراتك المنبعثة من خضرة قلبك.. وما زالت تعويذة حبك الخضراء تحميني من كل أذى..بل رأيت” ص٦٤. وفي مكان آخر:” بل إني أشعر بالحنين وبالشوق لذلك العنقود حين أراه في عينيك.. فما أجمل تلك اللهفة التي تكون بالرغم من القرب”ص٦٥.
نلمس من خلال ما تقدم من رؤية الكاتبة، التي جاءت على محمل ذكرياتها، والزمن الجميل، بيت الجد والعائلة ودالية العنب، والسهر والسّمر في أيّام الصيف، حين يحلو مذاق الحكايات بنكهة الماضي، والعودة للبساطة في الحياة بأصالتها، نزوع للهدوء مقابل تسارع حياة المدينة وضجيجها المُقلق والمُتعب والمُرهق للإنسان بشكل عام.
دلالات عناوين النصوص:
“رسائل إلى صديق. حقيبة الذاكرة، أبحث عنك، الأدوار المتبادلة، سطوة الحزن، في حضرة الغياب، الحطام، الرسمة المبتورة، البحث عن نرجس، أرواح مبعثرة، أحزان أنيقة، السيدة زينب، المحطة، عازف الخيبات، ديون، شتاء العمر، كواليس الروح، مهرجان الفصول، ظهور الديناصور، غريب في بيتنا، عناقيد عنب، واقع في هيئة كابوس، الوجع الزائر، القلب الباكي، غياب الورد، رفيقان على موعد، كلمات متقاطعة، طیف زائر، قصاصات، المشهد الأخير“.
بتأمل بسيط لهذه العناوين ذات الطيوف القادمة من منابع واقع الحياة، ألا نلمس فيها حجم المعاناة، والآلام، والآمال والأحلام، والشوق والحنين، والموت والحياة، والنزوع إلى الأفضل والأحسن. ومن هذه العناوين نستطيع تشكيل نص إبداعي، بعد إعاجة تدويرها في نص أدبي جديد.
الخاتمة:
لاشكّ عندي بعد مطالعة كتاب “عناقيد عنب”، تأكد بأن الإنسان ابن بيئته، التي تنعكس بآثارها عليه، مما ينعكس سلبًا أو إيجابًا على سلوكه الاجتماعي، وكذلك فعله الثقافيّ على السّاحة، والأدب الاجتماعي يكتسب مصداقيته من واقعيته الصادقة، فتأتي عين الأديب كما فعلت الأديبة “سميرة عرباسي“، وبذلك لا تكون إلا ابنة وفيّة وبارّة لمجتمعها، وقضاياه الملحّة، وما كانت إلّا مرآة عكست من تجربتها كجزء من حالة عامّة تتكرّر أو تتشابه أو تتقاطع مع حالات الآخرين.
عمّان – الأردنّ
٣٠/ ١٠/ ٢٠٢١