لصحيفة آفاق حرة
بطاقه تعريفية بكتاب “الشمس تشرق باردة” للقاصّة “آسيا الطعامنة” الأردن.
المحرر الثقافي: الروائي محمد فتحي المقداد
صدر حديثًا كتاب “الشّمس تشرق باردة” للقاصة الأردنيّة “آسيا الطعامنة”، وهو المنجز الأدبيّ الأوّل لها. أربعة عشر نصًا قصصيًا قصيرًا شكّلت المحتوى الأدبي للمجموعة، بصبغتها الواقعيّة الاجتماعيّة التي عالجت العديد من الظواهر بطريقة أدبيّة مُميّزة برمزيّتها الواضحة، التي تحاكي توالُدات وتوارُدات الأفكار لدى القارئ.
كلمة “الشّمس” بتعرفيها، يتأكّد ضمنيًّا؛ بأنّها الشّمس اللّازمة الكونيّة، ومصدر أساسيّ للحياة بدفئها وحرارة وضيائها، وبشروقها وغروبها يتوالى اللّيل والنّهار، من خلال نظام إلهيٍّ فريدٍ.. دقيقٍ.. مُحكمٍ.
بعد هذا، تأتي مفارقة التضادّ بعنوان المجموعة “الشّمس تُشرق باردة”
انزياحيّة مُدهشة مثيرة لسلسلة من التساؤلات المُتناقضة ظاهرًا. ولكنّ الشمس إذا أشرقت باردة، يعني انتهاء وفوات الحياة، يُستنتُج ذلك من النص المُعنوَن “الحياة تُشرق باردة“.
القتل نسيج النصّ. قتُل عن سابق إصرار وتصميم، وفي وضح النهار. قتلٌ يحظى بتأييد وترحاب أبناء القبيلة والعشيرة وأبناء القرية.
دماء تُراق.. وأرواحٌ تُزهَق، ربّما بحقٍّ أوببهتان، من أجل تبييض شّرف العائلة. المنظومة الاجتماعيّة بأكلمها دافعة لارتكاب جريمة قتل، ضحاياها على الدوام من النساء اللّائي ربّما كُن مظلومات في كثير من الأحيان.
السكّين تجزّ رأس البنت من أخيها أمام نظر الوالد بدم بارد، مشاعر أبويّة حجريّة، ولا يرفّ له جفنٌ. البنت الأخرى تُطالع من نافذة غرفتهما المُشتركة ما حدث لأختها.
حالات ونوبات خوف تعتريها، بينما خيال أختها ما زال مُساكِنا معها الغُرفة.
(أنظر مليا لأتحقق من كل ما رأيت، نعم، إنه ذات المشهد. سحابة رمادية ضخمة، بعينين جاحظتين، تشير إلي من بعيد بأن
أقفل النافذة، بقيت ساكنة دون حراك، كعمود نور قد تشبث في أرض صلبة، أخلع رداء الخوف، لأعود بنبش كهوف الذاكرة، استطلع الأمر جيدا، ما كان بالأمس ليس حلما ، أخي يقتص من وشقيقتي يذبحها بدم بارد، رأيت المدية الحادة النصل تجز رقبتها) ص99.
وبرمزية ناطقة بالسبب وراء هذه الجريمة، جاءت العبارة الموجعة: (شقيقتي جميلة بل فائقة الجمال ذاك النوع من الجمال الذي يجود به علينا الخالق حين يحرمنا نعمة العقل، لم تسمع وقع أقدامه وهو يتسلل مدفوعا بغرائزه كانت منهمكة بقطف ورود حمراء وبيضاء تضعها بعد أن تشمها بعمق على حجرها، وتغري الفراشات بصوتها العذب كي يقتربن منها).ص100. والنتيجة الماثلة أمام الأعيُن تؤرّقها دومًا في كلّ سانحة من ذكرى، وهو ما تراه “آسيا الطعامنة” مُناسبًا في تكريس عنوان النصّ، ليكون عنوانًا رئيسا، تنضوي تحته جميع القصص في مجموعتها: (أشعر بشبح السحابة يلامس جسدي المرتجف، أصابت تلك الصرخة عين الشمس التي اختفت طويلا تحت سيل من السحب الكثيفة المتراكمة، وبدأت بتطويق السحابة بسياج من خيوطها المميتة، بدأت السحابة تضمحل شيئا فشيئا افتراءت لي صورة شقيقتي تحلق مبتهجة بين السحب) ص101.
متعة الإبحار مع النص الأول افتتاحيّة المجموعة “العاشرة صباحاً” كان التركيز فيه على توقيت الساعة العاشرة، حيث الموت بأشكال عديدة مع تفاوت الأعمار يحدث في نفس التوقيت على مدار زمانات متباعدة؛ فما هو السرّ في ذلك؟. يبقى ذلك سؤالًا برسم الإجابة عنه.
أما نص “الأكتع” ذلك الشخص المُتخفّي تحت ستار الإعاقة الجسديّة التي تستدرّ عطف الآخرين، وفي حقيقته جاسوس عميل للعدوّ يقوم بنقل الأخبار، وتصوير مواقع عسكريّة، ويرسلها للعدو.
ونصّ “فوبيا” يحكي قصّة طفلة بعمر العاشرة، تخلّفت عن رفيقاتها في السّهول المحيطة بالقرية، وواجهت خطر الاعتداء عليها من أحدهم.
الحياة الاجتماعيّة مليئة بتفاصيل تتوالد باستمرار، الأمر الذي انسحب بتأثيراته على الأدب عمومًا، وهو ما نلحظه في جميع نصوص مجموعة “الشمس تشرق باردة“، من خلال المعالجة الأدبيّة بأداء مُحبّب للنفس، بنظرة واعية، وتختلف طريقة معالجة أيّ موضوع ما يين نصّ وآخر، بتفاوتات مُتراوحة بين التصريح والتلميح، كما حضور المرأة وقضاياها وَسَمت الملامح العامّة للمجموعة.
عمّان – الأردن
21/ 2/ 2022