د. اسامة المجالي
” ايخمان في القدس ” هو أحد الكتب المهمة لحنّه آرنت وهي كاتبة يهودية الديانة ولدت في العام ١٩٠٦ بالمانيا “وتعتبر منظّرة سياسية علمانية ألمانية أميركية ، ومفّكرة بارزة ومهمة ربما بسبب من كتابها ” أسس الشمولية ، التوتاليتارية ” في العام ١٩٥١ وهو الكتاب الذي يفكك الأنظمة الشمولية ويشرح نزعتها للعنف وجعله أداة أساسية للحكم دون سواه مع العمل بشكل كامل على ” إقفار ” – من القفر – الحياة السياسية للبلاد التي تحكمها عن طريق إستئصال أي نشاط سياسي فكري مخالف لها . إشتهرت بعلاقتها مع الفيلسوف الوجودي مارتن هايدغر، وبنقلها محاكمة المسؤول النازي أدولف أيخمان في القدس، وتوفيت في العام 1975.” ١
قدّمت مصطلح “تفاهة الشرّ” ” كمحاولة لفهم الأسباب الحقيقية وراء الشرّ الإنساني، وخلُصت إلى أن الشخص يصبح شريرا عندما يرفض أن يفكر “. وكتابها الذي صدر عام ١٩٦٣ يعتبر تسجيلا وثائقياً لمحاكمة ايخمان عام ١٩٦١ .
و ” أدولف أيخمان ” هو احد المسؤولين النازيين اثناء الحرب العالمية الثانية وجرت محاكمته في القدس بعد مضي ما يزيد على ١٥ عاماً على نهاية تلك الحرب ،” وقد تمّ اختطافه من منفاه الإختياري بالارجنتين ثم تمّ عقد محاكمة له من قبل دولة الإحتلال الصهيوني في القدس وبشكل مسرحي إستعراضي حاولت به الدولة المحتلة الصهيونية آنذاك فرد عضلاتها على رجل من بقايا نظام بائد تمّت ازالته بالكامل في اوروبا منذ اكثر من ١٥ عاماً ايضاً ” ٢.
الكتاب صادر عن دار ” النديم للنشر ” بصفحات تصل إلى ٣٧٩ صفحة وقد ترجمته الأستاذة ” نادرة السنوسي ” .
أهمية الكتاب بالنسبة لي الآن هو سقوط النظام السوري البعثي بعد حكم قمعي سلطوي طائفي لما يزيد عن ٦٠ عاماً لأن الكاتبة آرنت أثناء كتابتها لكتابها ” محاكمة ايخمان في القدس ” تستعرض مسألة الحكومات الشمولية الديكتاتورية عبر عرضها لشخص ايخمان الموظف في ” مسنن ” النظام النازي الكبير وأحد المسؤولين عن ” حل ” المسألة اليهودية ، وتظهره تافهاً بخياراته وطريقة تفكيره واستلاب إرادته ثم عدم قدرته على اتخاذ قرارات صائبة أو حكيمة أو مستقلة عما يدور حوله أو يأتيه من مسؤوليه الأعلى ، وكأن كل أفعاله مسؤول عنها غيره وما هو الا مفك أو برغي تافه في آلة الدمار الشمولية العنيفة دون حول له أو قوّة ، وكأن كل الرعب والعنف الذي يمارسه الجلادون والضباط وموظّفي السلطة الطاغية هو محض إنقياد أعمى لعقلية القطيع الذي يقاد ممن هم بالاعلى وبقية المنظومة تحركها الغرائز فقط من خوف وطمع وهلع ولهذا كما في حالة ايخمان وبقية المجرمين النازيين يتلاوم الطغاة الصغار بعضهم من بعض وكأنهم محض قطيع لا حول ولا قوة له فيما يقترف من فجور وفحش وعنف وتعذيب لا يتصوره العقل البشري .
هدف الكتاب هو وصف تفصيلي لما تحدثه الديكتاتوريات ومنها الأنظمة الشمولية العربية من تخريب ثمّ تهاوت سابقاً ويتهاوى بعضها الآن وكان آخرها سوريا ونظام حزب الله بلبنان وقبلها بالعراق وليبيا وتونس ومصر وسواها فقد قامت ب ؛
1. ” تحطيم للمجال العام وكل انواع النشاط السياسي
2. تحويل المجتمع بكل طبقاته إلى عبيد متناحرين متفرقين يركضون وراء غرائزهم ويتجنبون سوط الجلاد
3. فصل المجتمع والدولة عن الواقع والعالم وتطبيق حصار ضيق كادح حولهما . ”
وكما بينت سابقاً أن ما حدث بسوريا مؤخراً قد جدد لديّ ضرورة تناول هذا الكتاب الذي يشير إلى تجربتين تمّ استيرادهما من التجربة النازية ؛أولاهما تجربة نظام البعث في كل من سوريا والعراق ثم انهيار النظام البعثي !!! الطائفي بسوريا وانكشف عَواره بعد حكم دموي استمر لستين عاماً ، إنكشف إجرامه وفحشه ونفاقه وفساده أكثر وأكثر أمام العالم بعد فتح سجونه واخراج الآلاف المؤلفة من السوريين المسجونين هناك منذ أعوام مديدة في ظل شروط إنسانية مرعبة ومقززة ، ثمّ تم تداول أسماء الضباط المسؤولين عن هذه المذبحة الجماعية المزمنة وملاحقتهم ومطاردتهم لتطبيقهم سياسة النظام القائمة على -القمع والتعذيب – كأداة منهجية لقهر وتحطيم أي مقاومة يبديها المجتمع السوري أمام جلاده ويمنعهم من محاسبته على سرقاته وفساده وتحكمه بالسلطة بشكل لانهائي حتى تحوّل النظام عبر الأعوام والعقود الماضية من توحش لتوحش مغادراً مفهوم الدولة إلى أن أصبح مافيا عائلية ومجموعة ميليشيات محلية واقطاعيات هنا وهناك تنهب وتدمر وتتنفّع بلا حسيب أو رقيب بينما في السجون والمنافي يذوي خيرة شباب سوريا وأبناءها الرائعين .
وبينما تراكض السوريون الأحرار للإمساك بجلاديهم الذين فروّا في الأزقة والحواري والضياع والجبال بلا هوادة تصاعدت الدعوات.