كان حلمي في كل مرة كنت أتنقل فيها من مسكن إلى أخر ، أن يكون أحد جيراني شبيها لعمر الشريف أو رشدي أباظة ، وكان الحلم الأكبر من ذلك أن يقعا في حبي ، ولكن في كل مرة كنت أجاور ذلك الذي يدق عليك الباب ، شاكيا منك ، أنك تركت باب المصعد مفتوحا ،وأنت في الحقيقة لم تفعل ذلك ، بل إحدى الجارات ولأنها سيئة لا يمر حتى بجانبها ، و زد على ذلك فإن الشاكي شقته بالطابق الثالث ، أو يأتي إليك حاملا لك فاتورة الماء ،بحكم أن إستهلاك الماء جماعي ، أو يأتي إليك طارقا بابك من أجل ” تكاليف ” الأشياء المشتركة ، كالنظافة مثلا أو صيانة شيء ما.
في كل طرقة ، في كل دقة للباب وقبل أن أفتحه أقول ربما هو ، عمر الشريف أو رشدي ، ولكن عندما افتحه لا أجد إلا ” وجه الشر”.
عندما بدأت أفقد الأمل قليلا ، قلت : ربما عمر يسكن في السطوح ، أو أن رشدي الأنيق سيأتيني بهيئة ساعي بريد.
كنت كل مساء أطل من نافذتي ، وأرفع رأسي ليس إلى السماء ، بل إلى سطح العمارة ، وأضع يدي على خدي ، وأنا أسمع لرائعة أم كلثوم “أنت عمري ” ، أقول في سري :
متى يجاورني عمر الشريف ، يا إلهي كبرنا ولم يأت بعد رشدي أباظة ، وأبقى هكذا شاردة ، غارقة فيما ترتله ثومة ، حتى يدق الباب مرة أخرى ذلك الجار المزعج ، كجرس الموت ، آه مزعج جدا ، ليس وسيما ، ولا لبقا ، ولا أنيقا ، ماديا جدا ، أليا في معاملاته ، يعامل الجارات الطيبات بخشونة ، والسيئات بشيء من التملق.
لا أذكر أبدا أني أُعجبت بجار ، حتى في سنوات مراهقتي.
العمارة التي سكنت فيها لسنوات أو حتى تلك المساكن الأخرى التي إرتحلت إليها ، كانت خالية من الحب ، لا أذكر أني صادفت جارا لي حاملا علبة شوكولاتة ، أو باقة ورد ، أو حتى وردة ، أو قارورة عطر ، أو حتى دعوة عشاء لأسرته ، الكل عابس ، لهم نفس توقيت الدخول والخروج ، الكل يخرج صباحا ويعود مساء ، نهاية الأسبوع بالنسبة لهم صلاة الجمعة ، كسكس في الغذاء ، ثم النوم ، و أما اليوم الأخر ، الذهاب إلى الحمام الشعبي ، حديقة الحيوانات أو الحديقة العامة .
المهم في كل هذا لم يجاورن لا عمر ، ولا رشدي ، وتبخر حلمي – الحب الكبير –