لصحيفة آفاق حرة
الحلقة الأولى
=======
(المعجزة)
يخبرنا القرآن الكريم عن معجزات الأنبياء
ونجد أن معجزة كلِّ نبي كانت اختيارا معجزا في حدِّ ذاتها، وإعجازًا إلهيًا، من حيث اختيارها ومناسبتها لكلِّ نبي ولمجتمعه، ولكن كيف ذلك؟
حتى نفهم هذا الأمر بشكل جيد علينا أن نفهم أولًا ماذا تعني كلمة معجزة؟
ومتى نقول عن أمر ما إنه أمر مُعجِز؟
نقول: أَعجزَ إعجازا فهو مُعجِز،
ومُعجز هو اسم فاعل مشتق ويفيد لغويا الاستمرار،
واسم الفاعل يجمع بين الفعل وفاعله؛ فالأمر المُعجِز الذي يقوم به إنسان مثلا يكون خارقًا للطبيعة، خارجًا عن المألوف الذي تعوده الناس في ذلك الوقت، ويعجز الآخرون عن القيام به، ومن هنا جاءت معجزات الأنبياء عليهم السَّلام، ولكن لماذا ارتبطت المعجزات على مدى التاريخ بالأنبياء؟
مع الأخذ في الاعتبار أنَّ الله تعالى أخبرنا أنهم بشرٌ مثلنا؟! إذا تفكرنا قليلًا في ذلك سيأخذنا التفكير إلى السؤال:
ولماذا أرسل الله الأنبياء؟
لا شك أن الأمرين مرتبطان بشكلٍ وثيق؛ فالله سبحانه وتعالى قد أرسل الأنبياء لهداية الناس، وإرشادهم إلى طريق الحقِّ والخير، وانتشالهم من ظلمات الجهل والضَّلال لينعموا بنور الإيمان والتوحيد،
إلى هنا نتوقع أنَّ الأنبياء ستكون مهمتهم سهلة وميسرة؛ لأنهم يرشدون النَّاس لما فيه خيرهم،
ولكن المتوقع دائما شيء والواقع شيء آخر؛ فما أن يأتي النبي قومه بتعاليم جديدة عما ألفوه وورثوه عن آبائهم إلا وتبدأ المعركة بين العلم الذي جاء به وبين الجهل الذي توارثوه،
وبغض النظرعن القلة الذين يؤمنون بكلِّ نبي في بداية دعوته، ويصدقون كلَّ ما جاء به عن إيمان عميق، واقتناع فطري بالخير والحق، حيث لايكون هؤلاء بحاجة إلى الكثير من وسائل الإقناع الفكري أو المادي، ولكن الأمور لا تسير دائما بهذه البساطة، فبقية الناس لا بد لهم من أمر خارق للعادة حتى يصدقوا النبي ويؤمنوا بدعوته،
وحتى إذا جاء النبي بمعجزته يظلُّ الناس بين مصدق ومكذب، بل يتعدى الأمر إلى اتهام النبي بالجنون أو السحر، أو الكذب الخ، ولأن الله تعالى هو خالق البشر ويعلم ما في نفوسهم وعقولهم، فقد كان لابد وأن يأتي كل نبي بمعجزة تساعده على إتمام مهمته، وتساعد الناس على تصديقه، والإيمان بدعوته، ومن هنا جاءت معجزات الأنبياء، ولا نبالغ إن قلنا إن معجزة كل نبي كانت معجزة في حد ذاتها، معجزة إلهية من حيث اختيارها ومناسبتها لكل نبي ولمجتمعه، ولكن كيف ذلك؟
مع بعض معجزات الأنبياء والرسل الخارقة للطبيعة وقوانينها، نعيش معا الحلقات القادمة بإذن الله، وبالتأمل والتدبر في كل معجزات الأنبياء عليهم السلام، سوف نرى قصصا قد يعجز التفكير البشري عن استيعابها، وتصور كيفية حدوثها بهذا الشكل، وقد يزيد الأمر صعوبة بالنسبة للمتأخرين، الذين تمثل هذه المعجزات غيبا بالنسبة إليهم،
ولذلك نجد أن أركان الإيمان: الإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره،
فما هي العلاقة بين الإيمان الصحيح، وبين الإيمان بالأنبياء ورسل الله، والتصديق بمعجزاتهم؟
ويتجدد اللقاء في حلقة قادمة مع روعة الإعجاز في القرآن الكريم