هاشم خليل عبدالغني – الأردن
سليمى السرايري إنسانة مسكونة بالفن الجميل فهي شاعرة وكاتبة وقاصة وفنانة تشكيلية ومصممة أزياء ، لها بصمات في واحة الإبداع ، تطرز لوحاتها الشعرية والفنية بالحب بكل تلقائية وصدق .
سليمى السرايري الشاعرة ” الظاهرة ” والأهم بين أبناء جيلها من شعراء تونس ، بشمول وتعدد مواهبها الفنية ، تتنقل بين كُتابِ العشق ” كنحلة ترقص فوق الزهر تطوف بين الألوان تغازل الشمس ” في إيقاعات تهز الوجدان ، وتجعل المتلقي يهيم عشقا وشحناً .
في قصيدة ” أصابع في كف الشمس ” للشاعرة السرايري، ترسم لوحة بانورامية متعددة المشاهد تخطف الأبصار بطبيعتها الخلابة وبحيراتها المتفردة وسحرها الخاص .. يحفل المشهد الأول ( بالمعاناة والقهر وقوافل الحب البارد ) .. والمشهد الثاني يحفل ( بالتحدي وقوافل الحب الحقيقي ) . عنوان القصيدة يدل على عشق الحرية ، حرية القرار والاختيار ، وحب الرفعة والسمو .
تقول الشاعرة سليمى السرايري في مطلع قصيدتها :-
من خلال ممر خاص اشتد ظلامه اخترقت وتسللت قوافل الريح ( الحب البارد ) الخالية من العواطف ، المفرطة في هدوئها المتلبدة الإحساس ، وبسرعة فائقة لا يتخيلها عقل ، اخترقت حواجز باردة لا حياة فيها ،بوابة قلبي بكل (هوس ورعونة ) .
في هذا الجو الجاف عاطفيا والبارد إحساسا . وحيدة وقفت الشاعرة ( مُنْفَردة بِنَفْسِهِا بلاَ أَنِيسَ ولا رفيق ).على شاطئ الأمن والسلامة والنجاة ، تمشط شعرها وترسله مطلقة إياه يسافر مع الريح ، مستغرقة بخيالها تأخذها أحلامها الْمُتَقَاذِفَةُ بِالتَّتَابُعِ إلى ما لا نهاية . والمياه تصافح وجهها بسرعة فائقة دون إمهال ، واليأس والقنوط اشتد واحتدمت ناره لتحرق غيظاً وحقدا بقايا البقايا من أحلامي وآمالي..رويدًا ، بتؤدة ورِفق.وبدون رحمة .
نفق من الجنون يفتح بوابتـي
لقوافل الريح الباردة
هناك وحيــدة،
على شواطـئ قمــر..
أسرّح ضفائري بأسنان الموج .
المــاء يلطم وجهـي على عجل
والـشّـمس تحرّق بقــايــا احتراقـي .
على مهـــْـل..
في جو احترقت فيه شموع الأمل وغدت الأحلام حطاما
في جو احترقت فيه شموع الأمل وغدت الأحلام حطاما ، ولتعزية النفس من جرح ما زال يؤلمها، شبهت الشاعرة نفسها كحال طفل بكى ألماً وحزناً لفقد أبويه ، فبكت حين تبين لها أن أحلامها تبخرت وأن أمانٍيها محض خيال كاذب لا تلامس الواقع ، لكن صوت أحلامها الحيرى اصطدم وتعثر ولم يبلغ غايته لأنه واجه بعض العقبات والمصاعب،عندما تعثرت بمصدات أمواج الحياة وقهرها
ولكن هناك عندما سطع ضوء الحقيقة واتضحت الرؤيا ، وتحررت من الوهم والاعتقاد الخاطئ ، احترقت وهلكت وتحولت لرماد ، وأصبحت ضفائرها أصابع في كف الشمس .
كطفل يتيــم، نام حلمي في كفي باكيا .
لكـــن صوتي تَعـَـثـَّرَ على عتبةِ البحرِ
هــنــاك، في عُباب النـّور
صرتُ رمــادا .
صارتْ ضفائري أصابعَ في كفّ الشمس .
بالرغم من احتراق واختناق شموع الأمل ، إلا أن الشاعرة لم تستسلم وما زالت متفائلة ، فكفها متألقة محلقة في علوها ككف الشمس ، ثابتة وراسخة بقوتها كثبات الأرض .
فكفها عيون مفتوحة وبصيرتها قوية فقد أنبأتها الريح والبحر بأنك آت وقريب مقبل… أيها الحبيب تهدل كالحمام بترانيم الحب والشوق بكل شغف وتودد ، تفتل من الغيم..خيوط التجلد والرضا بكل هدوء واطمئنان دون شكوى أو تعجل ،لتبعث الحياة في أحلامنا وحبنا وأمانينا .
كفـي ، كفّ الشمس ،
كفّ الأرض ،
كفـــّي عيــونٌ ٌ مفتوحة ٌ ،
تنبئُ الرّيــــحَ ،
تنبئُ البحــــرَ ،
بأنــّك آتٍ… بأنــّك آتٍ …
هديـــلا، تغــزل الغيمَ صبرا
وتفتح الحلمَ من جديـــد .
ومع قدوم الحبيب أضيفت لقوة الشاعرة قوة جديدة ، فأصبحت الذئاب البشرية المخادعة التي نزعت منها الإنسانية واعتادت المراوغة ، تفر مولية الأدبار طبول من صلابة وقوة الشاعرة وثباتها …بالمقابل أصبحت الشاعرة تفيض رقة وأنوثة وسعادة .. فمن فرط قرحتها وسعادتها أصبحت ترى ظلها أسماكاً وترى نفسها عروس البحر ترقص وتمرح وفي نفس الوقت تدق وتقرع طبول العزلة والابتعاد عن الغدارين خائني العهود …طبول تمحيص الخبيث من الطيب ..
تجدر الإشارة إلى أن عروس البحر (مخلوق أسطوريّ يسمى بالإنجليزية: Mermaid، تسكن البحر، وتشبه البشر في الجزء العلوي، ومن الأسفل تمتلك ذيل سمكة، تعتبر من المخلوقات الإلهية، أو نصف الإلهية في الأساطير القديمة، كإله البحر في الأساطير الكلدية ) .
وأرى الذئاب تفِرّ من أظفاري
وأرَى ظلـّي أسماكـا
وأراني عروسَ بحر
ترقصُ وتدقّ طبـولَ العزلـة للأصداف.
كما بدأت الشاعرة قصيدتها بمخاطبة قوافل الريح الباردة ، تنهي قصيدتها أيضا بمخاطبة قوافل الريح ، ولكن بلغة جديدة قوية متفائلة ، فتطلب منها أن تثور وتنتفض لتفتح النوافذ لشمس الحرية والحب للغرباء الذين فرقتهم الأقدار .
هـُـبـّـِـي إذن أيـّتها القوافل ،
وافتحي كفّ الشمسِ مديـنة ً للغربــــاء .
هذه كانت قراءة سريعة كمدخل لشخصية وإبداع “الياسمينة التونسية ” سليمى السرايري ، فهذا النص الجميل لوحة بانورامية أخاذة ، ثرية بإيماءات أخاذة موحية تدغدغ القلوب والأحاسيس كما أن النص يزخر بالمعاني الإنسانية الراقية . . متمنيًا للشاعرة الرقيقة مزيداً من العطاء والإبداع والتألق المتواصل.