عمان _ آفاق حرة
عن دار الخليج للنشر والتوزيع – عمّان، صدر كتاب “سماء لا تتسع لظلي” للكاتب سمير اليوسف، ديوان لا يشبه رفوف المكتبات بقدر ما يشبه نافذة مفتوحة على الغيم. 182 صفحة من النصوص التي لا تقف عند حدود القصيدة، بل تتجاوزها إلى فضاء رمزي يتنفس بين اللازمن واللامكان، ويصوغ عوالمه كما يصوغ الضوء ظله… مرةً ممتدًا، ومرةً متكسّرًا على جدار الغياب.
يكتب المؤلف في مقدمته أن هذه النصوص ليست أوراقًا للقراءة، بل كائنات رمزية تعبر طقوسًا من الكشف والانمحاء، من التجلّي والانكسار، لتصبح المرآة هنا مائلة عمدًا، فلا تعكس الوجوه بل تعيد ترتيبها بلغة الاحتمال. وبين دفتي الكتاب، تتجاور المدن الأسطورية مع المنافي، ويتحول الوطن إلى رعشة، والغربة إلى كيان شبحي، بينما الكون كله يغدو مجازًا، والتفاصيل اليومية أبوابًا لعوالم سريالية تستيقظ كما يستيقظ الحلم حين يقرر البقاء.
تتوزع النصوص على عناوين تشبه إشارات ضوء في عتمة الطريق: “مفاتيح لا تصدأ”, “مدن لا تلد أسماءها”, “ظل السؤال”, “نجمة اللازمان”, “ظلي الذي خاصمني”, والعنوان الجامع “سماء لا تتسع لظلي”. كل عنوان هنا مدخل إلى عالم يرفض المعنى الواحد، ويحتفي بالفوضى كطريق لترتيب الجمال، حيث الأسطورة، والرمز، والانزياح البلاغي، ليسوا أدوات للزينة، بل صميم التجربة.
في هذا الكتاب، يصبح الظل استعارة للذات في لحظة افتراقها عن الجسد، وتغدو السماء مجازًا للممكن الذي يتأجل، للحب الذي يبقى سؤالًا، وللهوية التي لا تنغلق على تعريف. النصوص لا تُقرأ ببحث عن المعنى، بل بالانصات إلى صمتها المضيء، فهي أساطير صغيرة تتخفى في لغة معاصرة، وتترك للقارئ متعة الضياع في ممراتها.
“سماء لا تتسع لظلي” ليس فقط إضافة إلى رصيد الشعر الرمزي في المكتبة العربية، بل دعوة إلى أن نحيا النصوص كما نحيا اللحظات النادرة التي لا تعود. كتاب يكتب قارئه كما يقرأه، ويتركه في النهاية ممسكًا بمفتاح لا يفتح بابًا محددًا، بل يفتح على السؤال نفسه.