لندن ـ «القدس العربي»: منذ أكثر من ثلاثة أشهر طرحت «القدس العربي» فكرة إجراء حوار صحافي مع الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي عزة إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. الدوري يعتبر المطلوب الأول بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وكثيرا ما أحيط الرجل، الذي يعتبر أهم المسؤولين العراقيين، بالشائعات منذ اختفائه عن الأنظار حيث ترددت أنباء عن مقتله أو وفاته إلا أن الدوري كان يخرج ليؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة.
«القدس العربي» أبدت رغبتها في إجراء الحوار الصحافي مع الدوري لأحد قيادات حزب البعث العراقي والذي رحب بالفكرة بدوره ووعد بإيصال الأسئلة للدوري، مع محاولة إرفاقها بتسجيل صوتي أو مرئي حسب الوضع الأمني للدوري.
وفيما يلي نص الحوار:
٭ كثر الحديث عن مفاوضات أو محادثات مع الإدارة الأمريكية معكم، هل من معطيات؟
٭ قيادة الحزب والمقاومة في العراق ومنذ عام 2003، وضعت مبادئ للحوار ووضعت ثوابت لموقف البعث للحوار مع جميع الجهات والدول عدا الكيان الصهيوني، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية كونها الدولة المحتلة للعراق، وهذا كان من ضمن استراتيجية المقاومة للتحرير والاستقلال. ومن قواعد وشروط هذا الحوار اعتراف أمريكا بحقوق العراق والاستعداد لتنفيذها، ورغم هزيمة أمريكا وهروبها من العراق تحت ضربات جهاد ونضال البعث وفصائل المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية، إلا أنها لازالت تتنكر لهذه الحقوق وترفض الاعتراف بها، وبدلاً من التفاوض مع قيادة المقاومة وتنفيذ حقوق العراق والعراقيين التي انتهكتها، فإنها لجأت للاستعانة بحلفائها الفرس الصفويين وعمدت لتسليمهم العراق وأسندت لهم ولعملائها وجواسيسها إدارته وبإشراف ودعم وتنسيق مباشر منها. بهذا المعنى لم يحصل تفاوض مع الأمريكان، والذين يعرفون جيداً موقف الحزب والمقاومة الرافض لنتائج الاحتلال والتدخل الإيراني وكلما جاء به الاحتلال من عملية سياسية استخبارية فاشلة وفاسدة تقودها مجموعة من العصابات الإرهابية والميليشيات الفارسية الصفوية التي أصبحت تهدد الأمن العربي والإقليمي والدولية.
٭ كانت هناك مفاوضات في السعودية مع الجانب الأمريكي وسفراء من دول مجلس التعاون الخليجي هل توصلتم إلى نتائج؟ وماهي ردود الفعل الأمريكية؟
٭ لم تكن مفاوضات، بل حصل لقاء في دولة قطر بدعوة من حكومتها لعدد من القوى الوطنية العراقية وفي مقدمتها حزب البعث حضره وزير خارجية قطر وعدد من سفراء الدول العربية الخليجية الشقيقة، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، لاستطلاع وجهات النظر حول الوضع في العراق وكيفية وضع حد للكارثة التي يتعرض لها، وكيفية الخروج بحل نهائي للأزمة القائمة. ولم يشترك أي ممثل عن الأمريكان في هذا اللقاء، وعرض وفد الحزب برنامجه في التحرير والاستقلال وقدم دراسة وافية تمثل خارطة طريق للحل الشامل والنهائي، والمصالحة الواسعة التي تضمن تنفيذ الحقوق لجميع العراقيين. ولم يحصل بعد ذلك أي تطور لأننا نعلم جيدا بأنه لايمكن أن يكون حل في العراق، ولايمكن أن تتحقق مصالحة حقيقية بوجود إيران وميليشياتها الصفوية وبوجود الهيمنة والسطوة الأمريكية، وبوجود الاجتثاث والإقصاء والحظر وغيره من السياسات الإقصائية والإجرامية، كلها تعرقل بل وتمنع أي عملية توافق بين الأطراف العراقية.
فساد وطائفية وإقصاء
٭ كيف تنظرون إلى الحكومة العراقية الحالية؟ وهل هناك مبادرات للتواصل معهم؟
٭ العملية السياسية برمتها وبجميع عناوينها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية هي وليدة الاحتلال وتمثل مشروع الاحتلال الأمريكي الصهيوني الفارسي الصفوي للعراق، وإنها قائمة على ثلاثة أسس لولاها لما استمرت هذه العملية والحكومة الناتجة عنها يوما واحدا، وهي :
أ- السياسات القائمة على الفساد والطائفية والمحاصصة والاجتثاث والإقصاء والملاحقة والمطاردة والقتل والاعتقالات لكل من هو وطني ومخلص من العراقيين، وما نتج عن ذلك من بروز قوى إرهابية مسلحة تهيمن على المشهد في العراق.
ب- الاحتلال الإيراني الفارسي الصفوي المباشر للعراق وسيطرته على جميع مرافق الدولة العسكرية والأمنية والاقتصادية وتغلغله في صفوف المجتمع، وكذلك الميليشيات الصفوية المرتبطة بالولي الفقيه في إيران وتستلم أوامرها منه مباشرة وهي تمثل اليوم في العراق الوجه الآخر للإرهاب والفتنة والجريمة. وقد تجاوز عدد هذه الميليشيات أكثر من مئة ميليشيا مسلحة تستلم أوامرها من مكتب خامنئي مباشرة.
ج- الدعم الدولي وخاصة الأمريكي – والغربي وحتى العربي للأسف لهذه العملية رغم فسادها وانهيارها وفشلها وعدم شرعيتها… ورغم إن الشعب رفضها من شمال العراق إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه عندما خرج بمظاهرات صاخبة تدعو إلى إسقاط هذه العملية وإسقاط دستورها المسخ، الذي كان السبب في ما وصل إليه الوضع في العراق من تشرذم وصراعات طائفية وإثنية ومناطقية وهيمنة إيرانية مطلقة.
د- إضافة لذلك فإن المحتلين جاءوا بهذه العملية كما ذكرنا على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية والدينية بهدف تقسيم العراق على هذه الأسس وقد قطعت العملية السياسية البغيضة وحكومتها العميلة شوطاً بعيدا باتجاه هدف تقسيم العراق بل إن العراق يقف اليوم على حافة التقسيم، إن لم يواجه أحرار العراق وثواره وقواه الوطنية والقومية والإسلامية بقوة وبشجاعة دعاة هذا التقسيم من العملاء والخونة وخاصة في أوساط التيارات الإسلامية الطائفية.
– إن هذه العملية تهدف إلى تدمير العراق وتفكيك لحمته الاجتماعية ثم تهدف إلى ىسلخ العراق عن عراقيته وعن أمته العربية ومن تاريخه وحضارته والحاقه ببلاد الفرس كإقليم من أقاليمهم كما حصل مع الأحواز العربية.
– العملية السياسية تمثل الأداة المشرعنة دولياً لتنفيذ مشاريع الإمبريالية الأمريكية في العراق والأمة وهي الأداة المشرعنة دولياً لتمكين إيران من السيطرة على العراق وابتلاعه.
وبذلك فإنها عملية باطلة ومُدانة وكل ما ينتج عنها فهو باطل ومدان وكل مؤسساتها باطلة ومُدانة، حكومتها وبرلمانها ودستورها وما يُسمى بجيشها وشرطتها وميليشياتها لأن (كل ما أُسس على باطل فهو باطل)، أما العاملون في مؤسساتها فنقول فيهم الكثير من الخيرين وخاصةً في أجهزتها التنفيذية مثل الجيش والشرطة ودوائر الدولة المدنية وفيهم الكثير جداً ممن اضطرتهم ظروف الحياة للانخراط في هذه المؤسسات والدوائر، ولكن الهيمنة والسيطرة والقيادة في كل هذه المؤسسات والدوائر بدءاً من مجلس الوزراء والبرلمان والقضاء والجيش والشرطة والتعليم والثقافة والإعلام والاقتصاد هي بيد عملاء إيران وأذنابها وهي، أي إيران، تقود هذه المؤسسات من خلالهم ومن خلال الميليشيات المسلحة.
٭ سؤال عرضي، هل يفهم من كلامكم، إن الحزب أغلق باب المفاوضات بعد مؤتمر الدوحة؟
٭ أولا إن ما جرى في الدوحة لم تكن مفاوضات، بل إن ما جرى كما ذكرنا هو اجتماع بين وفد من القوى الوطنية العراقية وفي مقدمتها حزب البعث مع وزير خارجية قطر وسفراء عدد من الدول العربية الخليجية الشقيقة للتباحث حول سبل الحل الشامل للوضع في العراق، ولا زالت قيادة حزب البعث في العراق ترغب في استمرار اللقاءات والتشاور مع الأشقاء المسؤولين في الدول العربية بشكل عام، ودول الخليج العربي بشكل خاص للوصول إلى حل استراتيجي شامل ونهائي لقضية العراق ومواجهة الاجتياح الإيراني من جهة، والقوى الإرهابية الدولية من جهة أخرى.
لكننا نعلم أن مبادرات الحل الشامل والنهائي التي أطلقها الحزب والمقاومة والتي تنص على التغيير الجذري لهذه العملية وإعادة كتابة دستور جديد، وتشكيل حكومة انتقالية لفترة زمنية، وإلغاء الاجتثاث والحظر، وإلغاء الملاحقات وقوائم المطلوبين من رجال المقاومة، ومذكرات الاعتقال وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين وفي مقدمتهم أعضاء القيادة العراقية وكوادر الدولة الوطنية، وبناء المؤسسات العسكرية والمدنية وفق قوانينها وأنظمتها وسياقات عملها الوطنية التي قامت عليها منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الاحتلال، وغيرها من الإجراءات، يتبعها إعادة بناء الدولة وفق نظام وطني ديمقراطي تعددي لايستثني أحدا ولا يلغي أحدا ولا يجتث أحدا، ولا مكان فيه للانفراد أو الاستئثار أو الإقصاء أو الاجتثاث… جميع هذه المبادرات باءت بالفشل بسبب رفض إيران وميليشياتها الصفوية وعملائها، وبسبب الدعم الأمريكي والغربي لهذه العملية الفاسدة.
نحن في حزب البعث وفي المقاومة في الوقت الذي ندعو لهذا الحل السياسي الإنساني لحقن دماء العراقيين وهو الأهم بالنسبة لنا من جهة وتنفيذ الحقوق الوطنية من جهة أخرى، لكننا نعلن في الوقت ذاته، إنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، وعدم الاستجابة للحل السياسي القائم على ما ذكرنا من مبادئ، فإننا مستمرون في المقاومة والثورة وحرب التحرير الشعبية التي ستحرر العراق من قبضة إيران وأعوانها وعملائها ومن كل أنواع الاحتلال والهيمنة الأجنبية، وتحقق وحدة العراق وسيادته واستقلاله وانتزاع حقوقه وإعادته دولة عربية مهابة ليؤدي دوره المعروف في أمته والإنسانية.
٭ ما هو مستقبل العراق في رأيكم؟ وما هو الخطأ الذي ارتكبه الغرب في العراق؟ وهل يكرره في مناطق أخرى الآن؟
٭ العراق تعرض لعدوان مستمر من جانب أمريكا والغرب بدفع وتشجيع من الصهيونية العالمية، واستخدموا جميع أدواتهم وحلفائهم في المنطقة لضرب العراق وإسقاط ثورته ومشروعه الوطني القومي الاشتراكي الإنساني الثوري التحرري، والآن بعد الاحتلال وما نتج عنه كما ذكرنا من فساد وإرهاب ونهب وتدمير وقتل وتهجير وملاحقة واغتيالات لقياداته وكوادره الوطنية، واحتلال إيراني وهيمنة ميليشيات مسلحة مجرمة على السلطة وإدارة البلاد وتطبيق شريعة الغاب وفي جميع محافظات العراق، وفي ظل الصراع الدائر بين القوى الكبرى، ووجود الحشد الدولي الذي يضم أكثر من 60 دولة تحت حجة محاربة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي صنعته أمريكا وإيران، المدعوم من قبل أمريكا وإيران، فالعراق في ظل هذه الظروف المعقدة التي أدت إلى التشريد وتهجير الملايين من العراقيين في العراء بعد تهديم مدنهم وبيوتهم، وتجريف قراهم ومزارعهم وبساتينهم، وجلب الملايين من الفرس والأقوام الأخرى وإسكانهم بدلاً عنهم في أكبر عملية تغيير ديموغرافي وسكاني في التاريخ، وتحت مسمع ومرأى أمريكا ودول العالم والمجتمع الدولي والجامعة العربية والنظام الرسمي العربي.. حتى أصبح العراق مصدرا وبؤرة لتصدير الإرهاب والفوضى والفتنة للعالم.
فإذا لم يتم الحوار مباشرة مع قيادة المقاومة والثورة في العراق فعلى الدول العربية والعالم أن يعلم، بأن التدهور سيستمر والفتنة ستنتشر والإرهاب الذي تصدره وتدعمه إيران سيطال الجميع. وما التهديدات الإيرانية الوقحة ضد دول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية إلا دليل على ما نقول.
أما سؤالك عن الخطيئة وليس الخطأ الذي ارتكبته أمريكا وبريطانيا ومن ساندها من دول الغرب باحتلال العراق وتدميره، فإنه هو من فتح أبواب جهنم ليس في العراق فقط وإنما في كل الدول العربية وامتدت ناره لتحرق دولا أخرى مجاورة للعراق واُخرى بعيدة عنه.
أنا لا أعتقد أن أمريكا والغرب سيعيدون تجربة العراق في الاحتلال والتدخل المباشر بسبب الخسائر البشرية والمادية وفي الأرواح والمعدات والفضائح السياسية التي ألحقتها بهم المقاومة العراقية الباسلة وسببت لهم أزمات لن يشفوا من آثارها لسنوات طويلة.
ولكن للإمبريالية والاستعمار تجربة طويلة في كيفية تدمير الشعوب والأوطان و والأمم ونهب ثرواتها والهيمنة على قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري وغير ذلك… من خلال وكلائها وعملائها وحلفائها الذين يقاتلون عنها في النيابة وبأشرافها وتوجيه أجهزتها المباشر، وإن الذي يحصل في العراق وسوريا وليبيا واليمن دليل على ما نقول. إنها أوكلت المهمة للفرس الصفويين وميليشياتهم المجرمة لاحتلال الأقطار العربية بعد تدميرها وتقسيمها وشرذمتها، وكذلك صنعت الإرهاب وصدرته لدول الأمة العربية وخاصة في سوريا والعراق، وقدمت له الدعم والإسناد ولا زالت تناور بمجموعاته من مكان لآخر.. وحشدت عشرات الدول تحت اسم الحشد الدولي للسيطرة على الأمة وأركاعها وتفتيتها تحت حجة مكافحة الإرهاب.
الذي أريد قوله إنهم لم يعودوا قادرين على القتال وجها لوجه بعد هزيمتهم في العراق، ولكنهم بطائراتهم وصواريخهم يدمرون البلدان انتقاما لهزيمتهم.
أنظر ماذا يفعل الروس في سوريا، يقصون حلب والمدن السورية الأبية بالصواريخ عابرة القارات، وصواريخ الطائرات إلى أن أزالوا مدنا وأحياء باكملها وبموافقة وتنسيق مع الأمريكان، وسحقوا الشعب السوري العزيز ومن بقي حيا منهم خرج هائما على وجهه أو للموت غرقاً في البحار… كل ذلك للمحافظة على نظام دموي مجرم إرهابي طائفي عميل حكم سوريا بالحديد والنار وخان الأمة على طول تاريخه المخزي، وتحالف مع كل أعداء الأمة ولا زال يتحالف مع الفرس المجوس ضد كل ماهو عربي ومسلم وإنساني.
مخططات إيران
٭ ما هو دور إيران في المنطقة حسب رأيكم؟ وهل ستنجح مخططاتها؟
٭ إيران كانت منذ زمن طويل، ومنذ مجيء الخميني تحديداً، سبباً في المشاكل التي يتعرض لها العراق وعاملاً أساسياً في تهديد أمنه وعدم استقراره. والحديث عن الدور والتمدد الإيراني، فإن له أبعادا وأهدافا ترتبط بمفهوم (تصدير الثورة) الذي رفع شعاره الخميني منذ مجيئه للسلطة وأراد بذلك احتلال العراق في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، وشن العدوان وبدأ الحرب على العراق والتي استمرت كما تعلمون ثماني سنوات، فرضها النظام الإيراني على العراق فرضاً بسبب تعنته وأصرّاره على استمرارها رغم موافقة العراق على جميع الوساطات والمبادرات العربية والإسلامية والقرارات الدولية، إلى أن تجرع هذا النظام السم بانتصار جيش العراق جيش الأمة عام 1988 على قواته المعتدية، والحق به هزيمة كبيرة.
بعد احتلال العراق الذي كان لإيران دور مباشر فيه من خلال تعاونها مع الأمريكان في تسهيل الاحتلال للعراق ومن قبله أفغانستان، فقد بدأت صفحة جديدة من العدوان الإيراني باحتلال صريح للعراق مع هيمنة كاملة على إدارة وقيادة العملية السياسية وبالتنسيق والاتفاق مع الأمريكان.. وتشكيل ميليشيات مسلحة ومدربة مرتبطة بفيلق القدس الإيراني لإدارة شؤون الأمن والدفاع والاقتصاد وغير ذلك وهي المنفذة لسياسة إيران في العراق كما هي في بقية الاقطار العربية. ولا بد من التأكيد أن خطورة الدور الإيراني ليس بالحرس الثوري أو فيلق القدس أو الأجهزة الأمنية أو الجيش الإيراني وأسلحته وجواسيسه فحسب، لأن جميع الدول العربية المستهدفة تستطيع مواجهة ذلك وفضحه والتحشد ضده وردعه. لكن الخطورة الحقيقية للتدخل والنفوذ والوجود الإيراني في البلاد العربية هو بتكوينها ميليشيات عميلة تابعة لها من أبناء تلك البلدان العربية يدينون لها بالولاء والطاعة والقتال بالنيابة عنها كما يفعل حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات والأحزاب الطائفية في العراق، وما يسمى حركة الوفاق في البحرين، وغيرها من الخلايا النائمة والعملاء في عدد من الأقطار العربية في المشرق والمغرب.
وإذا سمحت لي ايها الأخ أن أزيدك علماً وتوضيحاً لجماهير أمتنا العربية ولأحرار العالم، أن الإمبريالية الأمريكية بعد اندحار جيوشها وهروبها من العراق قد سلمت العراق لإيران الفارسية الصفوية للمزيد من الانتقام من هذا الشعب العظيم ونظامه الوطني الذي ركعها وحجمها وقزمها وأنهى قطبيتها الواحدة المتفردة المنفلتة لأن أمريكا تعرف مدى عمق وحقد وحنق وكراهية الفرس المجوس للعراق وقيادته وشعبه وأمته، ووضعت لها مظلة دولية شرعية تقتل وتدمر وتشرد وتهجر العراقيين تحتها حتى استفحلت إيران وطمعت بأكبر مما كانت تريده لها أمريكا فاحتلت العراق احتلالا عسكرياً مباشراً وبالغطاء الأمريكي نفسه، وتحت الخيمة الأمريكية نفسها، ولتعلم جماهير أمتنا أن الاحتلال الإيراني المباشر والخطير الذي يهدد الأمة مباشرةً يجب علينا أن لا نسميه تدخلاً أو إطماعاً أو ما شابه ذلك وهو يتمثل بالاتي:
1- يتواجد اليوم على أرض العراق أكثر من اثني عشر ألف جندي إيراني من الحرس الثوري وفيلق القدس ولدينا خريطة تواجدهم، مركزهم في محافظة ديالى ويتوزعون في محيط بغداد إلى صلاح الدين، أي إلى تكريت وبيجي، ومن محيط بغداد إلى الأنبار إلى النخيب والحدود العراقية السعودية ويتواجدون بشكل مكثف في كربلاء والنجف والبصرة.
2- الإئتلاف الصفوي الحاكم الذي يُدين بالولاء المطلق والطاعة والمتابعة لولي الفقيه الإيراني ولا تتصرف ولا تعمل ولا تُقرر الحكومة الصفوية في المسائل المهمة والأساسية إلا بأذن وبموافقة من ولي الفقيه أو ممن يمثله، وإن كل ما يظهر في الإعلام من تقاطعات واختلافات وسجالات سواء داخل الإئتلاف الصفوي الحاكم أو داخل الحكومة وأجهزتها أو بين عناوين العملية السياسية فهو مبرمج ومُمنهج من قبل إيران وعملائها للتغطية وللتخفيف من وطأة المشروع الصفوي الاستعماري البغيض ولتسهيل هيمنته وسيطرته على العراق.
3- تسيطر إيران من خلال الأحزاب الصفوية على كل مفاصل المؤسسات الرسمية المهمة في حكومة العملاء مثل الجيش والأمن والمخابرات والاستخبارات والتربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام ثم التعبئة الدينية الطائفية الصفوية.
4- تحكم إيران وتشدد قبضتها على العراق وعمليته السياسية ومؤسساتها بأذرع مسلحة وضاربة وهي أكثر من مئة ميليشيا ترتبط مباشرة بإيران وتستلم أوامرها مباشرةً من ولي الفقيه أو ممن يمثله، وهي المسؤولة عن التهجير والتشريد والقتل والحرق والسلب والنهب، وهي المسؤولة عن التغير الديمغرافي الخطير في مناطق معينة ومحددة في العراق وقد حققت أهدافا خطيرة للغاية في هذا الميدان.
5- إيران أعلنت رسمياً احتلالها للعراق بقولها إن بغداد قد أصبحت عاصمة امبراطوريتها الجديدة وأعلنت رسمياً أن حدودها الرسمية حيث تتواجد أضرحة الأئمة من آل البيت، وليعلم أحرار الأمة لئن استقر الحكم والهيمنة والسيطرة لإيران وعملائها وأدواتها في العراق سيعلن الاتحاد الاندماجي بين العراق وإيران تلبيةً لمنهج تصدير الثورةأواهدافها ولبناء دولة المذهب الكبرى أو بناء الدولة الإسلامية الكبرى كما يزعمون.
٭ هل هناك قواعد إيرانية في العراق؟
٭ إيران تحتل العراق بجيشها وحرسها الثوري وأجهزة مخابراتها وعملائها وميليشياتها وبواسطة الأحزاب الطائفية المؤتلفة في التحالف الصفوي الحاكمة والمرتبطة بها. وبالمناسبة توجد أحزاب وكتل وأفراد مشتركون في العملية السياسية من خارج التحالف الصفوي قد اشترتهم إيران. ويدينون بالولاء لإيران كالحزب الإسلامي الطائفي العميل، وهو حليف وعميل للفرس الصفويين ومنفذ لمشروع الاحتلال مثلما هو عميل وأثبت عمالته للأمريكان والمحتلين، إضافة إلى أشخاص آخرين في العملية السياسية، إذا لم ترض عنهم إيران لا يمكن أن يستمروا في مناصبهم الزائفة.
فإيران هي من تعين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وغيرها من العناوين والمناصب التي أوجدها المحتلون هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الحرس الثوري الإيراني هو الذي انتزع مدن ديالى من المقاومة وباعترافهم رسمياً إذ أدخلوا إلى ديالى قوة قوامها أكثر من (12) ألف جندي كما ذكرنا، ولا زالت هذه القوة إلى اليوم في العراق وفي مناطق مختلفة من العراق.
اضافة إلى إدخال الملايين من الإيرانيين بدون جوازات سفر تحت غطاء زيارة الأماكن المقدسة ولكنهم يتوزعون على المحافظات وتسكينهم وتجنيسهم بدلاً عن أهالي المناطق المهجرين والهدف هو تفريس العراق وجعله ولاية تابعة لبلاد فارس كما فعلوا مع الأحواز ومع الجزر العربية الثلاث، وكما يريدون أن يفعلوا مع بقية الدول العربية وخاصة الخليجية وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين.
٭ ما هو المطلوب من الدول العربية للتصدي للمخطط الإيراني؟
٭ المطلوب اتخاذ المبادرة ووضع استراتيجية عربية شاملة لمواجهة إيران وردعها وإنهاء احتلالها للعراق بالقوة أو بالسياسة أو بالاثنين معاً، وتصفية ميليشياتها، ونرى أن الحكام العرب إذا ما أحسنوا الظن بشعبهم وقواه الوطنية والعروبية واستنهضوا هممهم واستثمروا إمكاناتهم العسكرية والمادية الهائلة وقرروا بإرادتهم حماية أمنهم وأوطانهم وأمتهم وأنفسهم دون الاعتماد أو التعويل على القوى الأجنبية في في حمايتهم، وهي كما نرى فإن أمريكا بدأت في التخلي عن التزاماتها تجاه حلفائها من الدول العربية بل وانكشفت اللعبة والمؤامرة على الأمة التي تقودها الصهيونية العالمية المتحالفة مع الفارسية الصفوية ضد الأمة العربية، وبدأت أمريكا بالضغط والتحريض ضد المملكة وبقية الأقطار العربية لابتزازها وإسقاطها وتفتيتها لصالح حليفتها الصفوية الفارسية. وما إصدار قانون أمريكي مثل (جاستا) إلا لتنفيذ هذه الحلقة من حلقات المؤامرة الكونية ضد الأمة التي بدأت باحتلال فلسطين ووصلت إلى أقصاها باحتلال العراق وتدميره وتسليمه لإيران، فإن عزموا على الدفاع معتمدين على الله وعلى قوى الأمة الحية المجاهدة وعلى رأسهم البعث فهم قادرون على طرد إيران وليس أمام العرب إلا دعم وإسناد وتجهيز وتدريب فصائل المقاومة في العراق وسوريا واليمن وأقطار الخليج العربي وبقية أقطار الأمة الأخرى وفق استراتيجية عربية بقرار عربي مستقل لمقاومة وهزيمة وإسقاط هذه المؤامرة.. بغير ذلك فإن النتائج ستكون خطيرة ووخيمة على مستوى الأمة ووجودها وهويتها وحاضرها ومستقبلها.
٭ هناك اتهامات لكم شخصيا ولحزب البعث بالتحالف مع تنظيم «الدولة» في العراق خاصة وأن ضباطا بعثيين انضموا للتنظيم ومن إنكم تمدونهم بالسلاح؟ كيف تردون على هذه الاتهامات؟
ـ هذه أصوات نشاز وتأتي في سياق محاصرة البعث واجتثاثه. إنها تحاول خلط الأوراق وتشويش صورة الموقف الوطني والقومي والإنساني الذي يتصف به حزب البعث ولمصادرة حقه المشروع في مقاومة الاحتلال الأمريكي والإيراني ومشاريعه الاستعمارية، من خلال هذه الحملة الإعلامية المعادية للحزب والمقاومة بوصفها بالإرهاب تارة، واتهامها بالطائفية تارة أخرى أو لصق به ما يجري في العراق من مجازر وتفجيرات وقتل يومي تقوم بها قوات المحتلين الأمريكان والفرس من جهة، وعملاؤها من أحزاب السلطة وميليشياتها.
هذه محاولات كذب وتشويش باتت مكشوفة لجميع الأحرار في العراق والأمة والعالم بإن من يقف مع الإرهاب ومن صنع الإرهاب ودعمه ولا زال يدعمه ومسؤولا عن إدارته هي إيران وأمريكا وإسرائيل، وما عدا ذلك فإن جميع شعوب المنطقة والعالم ومنها شعبنا العربي وأمتنا، ونحن في حزب البعث ضحية هذا الإرهاب الأعمى وضحية الاحتلال الذي يمثل أعلى درجات الإرهاب، ولا زلنا نقاوم وتقاتل على 360 درجة ضد المحتلين ومخلفاتهم الطائفية الإرهابية. إن حزب البعث يرفض ويقاتل ويقاوم جميع أنواع الاحتلال والإرهاب الطائفية والتكفيرية وما يرتبط بها وعلى رأس تلك القوى إيران وعملاؤها و(داعش) وذيولها. نحن نعلم أن هذه الحملات هي جزء من استراتيجية اجتثاث البعث والعروبة والفكر والعقيدة الوطنية العربية الثورية التحررية الإنسانية، لصالح أفكار فئوية ضيقة منبوذة من الشعب والأمة لأنها غريبة عن تاريخه أوعقيدتها ودينها وأخلاقها. وهي محاولات لإيجاد المبررات لضرب وإجهاض المقاومة الوطنية والثورة الشعبية في العراق وسوريا وغيرها، من خلال القول بأنها مرتبطة بالإرهاب الذي يجب مقاتلته وهذا ما يحصل الآن.
فهذه الاتهامات مرفوضة وباطلة والمقصود منها التشويه والتزويروالتشويش ومزيد من الاجتثاث، نحن نتقاطع مع (داعش) عقائدياً ومبدئياً، لأن من يتابع الأحداث وهي ليست بعيدة، يجد أن (داعش) عند ظهورها قد وضعت في حسبانها بأن حزب البعث ومقاومته الوطنية يمثل العدو رقم واحد، ولهذا أول ماقامت به هو اختطاف عدد من أعضاء قيادة الحزب والعشرات من قادة المقاومة ورجالها العسكريين والمدنيين، واستمرت في استهداف وقتل من تصادفه من كوادر البعث… فعن أي تحالف يتكلم هؤلاء…؟؟؟ وهم متورطون في صنع هذا الإرهاب وتصديره.
أما موضوع تسليح (داعش) فإن مصدر أسلحة هذا التنظيم كما هو معروف هو ما تركه (الجيش العراقي) بعد هروبه من الموصل وبقية المحافظات الثائرة ومثله ماحصل في سوريا أيضا.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا التنظيم يضم عناصر من مختلف دول العالم، وعليه فإن الاتهامات الموجهة لحزب البعث العربي الاشتراكي، من قبل الحكومة العراقية وإيران والميليشيات العميلة المرتبطة بهما، إنما المقصود من ورائها هو الإمعان في ملاحقة واعتقال وقتل وتصفية كوادر الحزب، وإيجاد المبررات للاستمرار في اجتثاثه وتجريمه وحظره، مما يهييء الأرضيّة لتنفيذ مشروعهم في التقسيم والتدمير والذي يقاومه البعث والشعب كحالة واحدة بصبر وبسالة وقوة.
٭ ما هو رأيكم في مآلات الربيع العربي؟ وكيف ترون مستقبل المنطقة خاصة في سوريا واليمن وشمال أفريقيا؟
٭ باختصار شديد فإن الثورات والانتفاضات التي حصلت في الأقطار العربية ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة والعميلة والخانعة والمستسلمة والمفرطة بحقوق الأمة لصالح أعدائها بل والمتحالفة مع هؤلاء الأعداء، جاءت كتعبير عن حاجة الجماهير العربية وتطلعاتها برفض التبعية والهيمنة والابتزاز والاستغلال الداخلي والخارجي، ورفض الظلم والقهر والحرمان، والمطالبة بالحرية والعيش الكريم وغيرها من الحقوق الإنسانية. وقد حققت هذه الثورات أهدافها الأولية بإسقاط الأنظمة الهزيلة وكشفت عورات هؤلاء الحكام وهزالتهم وضعفهم أمام إرادة الشعب، الذي إذا أراد الحياة يوما، فلا بد أن يستجيب له القدر، وهكذا كان… ولكن للأسف إن هذه الثورات لم تكمل تلك الأهداف التحررية الكبرى التي تصب في مجرى الاستقلال الوطني والقومي والمصلحة العربية العليا للأمة وتقزمت نتائجها بمجرد عملية التغيير للحكام، واقتصرت على بعض الأمور المطلبية، وذلك لأسباب عديدة من أهمها عدم وجود قيادات واعية ورصينة ولديها نظرة بعيدة للتغير المطلوب منها الالتفاف على هذه الثورات من قبل قوى الثورة المضادة الخارجية منها والداخلية. وكان من نتيجة ذلك أن تم مصادرة هذه الثورات، فبدلا من تحقق نهضة عربية على طريق وحدة الأمة واستقلالها وسيادتها، فإنها تراجعت بسبب هيمنة وتغلغل فئات وأحزاب وجماعات مرتبطة بالاستعمار والإمبريالية ومشاريعها.
ولكن تبقى أرادة الشعب هي الاقوى والأقدر على تصحيح مسار هذه الثورات، وما نراه الآن ونلمسه من حراك جماهيري شعبي ثوري تحرري، إلا دليل على أن لحظة الحقيقة في تصحيح هذا المسار ستأتي ولو بعد حين سواء في المغرب العربي أو في مشرقه من الأقطار العربية.
أما في سوريا الحبيبة، سوريا العزة والعروبة، سوريا الثورة… فإنني مؤمن تمام الايمان بإن ثورة الشعب السوري المباركة سوف تنتصر على نظام الطاغية السفّاح، نظام الخيانة والرِّدة والتآمر على الأمة وفكرها وعقيدتها منذ أن تسلط على رقاب الشعب السوري، والذي باع سوريا للفارسية الصفوية وللصهيونية من قبل بتحالفه مع قوى العدوان ضد كل ماهو عربي. ان الشعب السوري المكافح ومقاومته الوطنية وفصائلها المسلحة والسياسية مدعوان للوحدة والتحالف والتكاتف للسير بالثورة السورية وتحقيق أهدافها الوطنية والقومية التحررية بعيداً عن الصراعات والارتباطات مع هذا الطرف الدولي أو ذاك، إلا بما يحقق الدعم الإيجابي لانتصار الثورة، خاصة في ظل الصراع الدولي الخطير الذي تدور رحاه على الأرض السورية والذي يهدد أمن الشرق الأوسط والعالم برمته، طالما استمر هذا النظام العميل بارتكاب جرائمه بحق الشعب السوري، وطالما أنه قد سلم مقدرات سوريا لإيران الصفوية، وجعلها ميداناً لصراع الدول الكبرى التي لايهمها إلا مصالحها فقط.
٭ هل هناك أي تواصل مع مسؤولين في الدول العربية؟
٭ نعم نحن متواصلون مع معظم أشقائنا القادة العرب وكلما توفرت الفرصة لذلك، في التداول والتشاور حول مايهم العراق والأمة بأجمعها.
٭ ما هو دوركم في مؤتمر المعارضة العراقية سواء في اسبانيا أو فرنسا وما هي القرارات التي خرجتم بها من تلك المؤتمرات؟
٭ نحن نشجع ونؤيد وندعم جميع المؤتمرات والندوات والتجمعات والمبادرات والمشروعات ذات الأهداف الوطنية التي تصب في استراتيجية البعث والمقاومة في التحرير والاستقلال وتساهم في تحشيد قوى الشعب الوطنية في مواجهة مشروع الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق والأمة، سواء في داخل العراق أو خارجه.
أما المشاريع والتجمعات والمؤتمرات والندوات وغيرها ذات التوجهات الفئوية أو الطائفية أو التقسيمية أو التي تخدم العملية السياسية الاستخبارية التجسيسية الفاسدة أو التنسيق معها، أو تلك التي تدعم وتتناغم في خطاباتها وبرامجها مع الاحتلالين الأمريكي أو الإيراني الصفوي، فإننا نقف ضدها ونفشلها. هذا هو المقياس في التعامل مع هذه النشاطات، البعث هو الحاضنة الرئيسية لكل جهد وطني، والداعم والساند كل فعل مخلص من أجل العراق والأمة سواء قام به شخص أو مجموعة أشخاص أو كتلة أو هيئة أو تجمع.
المؤامرة على العراق
٭ كمشارك في قرار دخول الكويت، العديد من المراقبين يرون أن هذه الخطوة كانت سببا فيما آل إليه العراق. ما هو تعليقكم؟ وماذا تقول للكويتيين؟
٭ أقول لك باختصار وبصراحة البعث وبوضوح عقيدته ومبادئه إن دخول الكويت يمثل جوهر المؤامرة على العراق والأمة، اشتركت في صناعته كل القوى المعادية للأمة وعلى رأسها إسرائيل وأمريكا وإيران الصفوية والنظام العربي برمته وفي مقدمة العرب المتآمرين (حسني مبارك وحكومة الكويت وحافظ الأسد)، أستدرجت قيادة العراق إليها استدراجاً وإنها تمثل بالنسبة لقيادتنا، وأنا منهم، خطيئة كبيرة ومبدئية واستراتيجية وأخلاقية سوف لن تمحى من تاريخ الأمة إلا بقيام وحدتها الكبرى. وأما تفاصيل هذه الخطأ والخطيئة ستظهر إن شاء الله قريبا في دراسة وتقييم التجربة لمسيرة الخمس والثلاثين عاما بعد المصادقة عليها في أول مؤتمر قطري وأسأل الله أن يكون قريباً. واعلم أننا في القيادة وفي كادر الحزب المتقدم وأنا في مقدمتهم نكنُ كل الحب والتقدير لشعبنا العربي الكويتي وأننا نعتذر لهذا الشعب العربي الأصيل ألف مرة عن ما أصابه من ضرر. وأقول هذا رغم أن الامور، وخاصة الكبيرة والتاريخية، يتم تقييمها وفق ظروفها ومرحلتها وليس خارجها، ولكن التقييم سيظهر، ويظهر معه حجم المسؤولية التي تتحملها الأطراف الأخرى التي أشرنا لها وهم الحكومات العربية المتآمرة، وستجد أن القيادة العراقية أُجبرت ودُفعت دفعاً لدخول الكويت ولكن هذا لا يعفيها من المسؤولية اطلاقاً.
٭ ما هو مدى حضوركم داخل العراق خاصة في ظل معلومات عن اتساع رقعة الحزب داخل العراق؟
٭ وما هو تقيمكم لدور حزب البعث في العراق وخاصة عقب ما آلت إليه الأمور الآن؟
٭ البعث ليس مجرد حزب سياسي، بل إنه حامل لرسالة العرب الثانية للإنسانية، ولهذا فإن دوره لا ينحصر في الجانب السياسي أو العسكري أوالتعبوي أو في السلطة أو بدونها فحسب، إنه حزب الثورة ضد كل أنواع الابتزاز والاستغلال والهيمنة والتسلط والاحتلال وضد المشاريع الاستعمارية. وقبل ذلك هو ثورة وانقلاب على الذات وعلى الواقع الفاسد المريض، وسيبقى الحزب يقاوم الظلم والقهر والفقر والمرض والجهل والتخلف والاستبداد والحرمان.
من هذه الحقائق يتحدد دور حزب البعث العربي الاشتراكي، ولذلك تراه منذ اليوم الأول لانطلاق المقاومة ضد الاحتلال عام 2003، لم ينحصر في دوره في المقاومة المسلحة فقط، بل امتد الدور ليهيئ مقاومة شاملة سياسية وإعلامية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية وتعبئة شعبية وعلى جميع الأصعدة وفق استراتيجية واضحة الأهداف والوسائل، وإن الحزب بحكم انتشاره الواسع في صفوف الشعب، ومكانته المتميزة في نفوس العراقيين، ومن كونه يمثل فكرهم وعقيدتهم ومبادئهم وحاملاً لأهدافهم ومعبراً عن تطلعاتهم في الوحدة والتوحد والحريّة والتحرر وفي الحياة الحرة الكريمة والبناء والتقدم، ومن كونه يضم خيرة أبناء هذا البلد وطنية وأصالة وانتماء وعلماً وثقافة وكفاءة، أصبح حاضنة المقاومة بكل فصائلها ومعينها الذي لا ينضب، حتى تكلل هذا الجهاد الملحمي للبعث وفصائل المقاومة جميع بالنصر المبين في هزيمة المحتلين وانسحابهم من العراق. ولا زال البعث وسيبقى بعون الله عنواناً للثورة ضد مخلفات الاحتلال وعمليته السياسية الفاسدة وتيارها الإيراني الصفوي الإرهابي الذي عاث في الأرض فساداً وفتنة ودماراً.
ليس جديداً على البعث دوره في المقاومة ضد الاحتلال في العراق، بأن نظام البعث وجيش العراق الباسل وقفا بوجه الموجة الخمينية السوداء، وفي مقاومة مشروع الفتنة لثماني سنوات تحطمت بسواعدهما موجات الشر القادمة من قم وطهران والمدعومة من إسرائيل وأمريكا، ليحمي بذلك دول العروبة وخاصة الخليجية منها من الشر والخطر الإيراني الذي استهدفهم جميعاً وليس العراق فقط… مثلما كان دوره في مواجهة قوى العدوان، والتصدي لأي اعتداء يتعرض له الأشقاء في أقطار العروبة، في فلسطين وغيرها من الساحات العربية.
مأساة الأحواز
٭ هل تقومون بتفعيل الحراك الشعبي في الأحواز؟
٭ قضية الأحواز تمثل مأساة شعب عربي وبلد عربي تم احتلاله بتواطؤ غربي وبريطاني تحديدا مع شاه إيران آنذاك عام 1925 للهيمنة على الساحل الشرقي للخليج العربي، لزرع كيان في شرق الوطن العربي يمثل تهديداً مستمرا للأمن القومي العربي برمته وللعراق بشكل خاص، مثلما تم زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي لتفتيته ومنع قيام وحدة العرب.
هكذا هي المؤامرة على الأمة كما قلنا إمبريالية صهيونية وفارسية صفوية شكلوا الثنائي في استهداف الأمة وتدميرها، عبر التحالف والتنسيق المستمر بينهما منذ فترات تاريخية طويلة وفي العصر الحديث.
العراق ونظام البعث التزم وتمسك بقضية الأحواز كبلد عربي محتل وكان يدعم نضال الشعب الأحوازي العربي البطل، انطلاقا من مبدأ أن هذا الشعب يجب أن ينال استقلاله الكامل وتأسيس دولته المستقلة كجزء من الأمة العربية.
والآن نحن ندعم ونؤيد نضال وكفاح الشعب العربي الأحوازي وقواه الوطنية من أجل نيل استقلاله وحريته، وندعو جميع هذه القوى للتوحد تحت لواء جبهة عريضة تقود نضال هذا الشعب الباسل نحو التحرير والاستقلال، والذي يتعرض يومياً إلى التهجير والقتل والإعدامات العشوائية من قبل النظام الصفوي في قم وطهران. نحن والأحوازيون حالة واحدة متحدة متماسكة وممتزجة وأرض الأحواز العربي لا تقل معزة عن أرض العراق ولا عن أي شبر في وطن العروبة الكبير ونحن وهم على موعد مع التحرير بأذن الله.
٭ أين البعثيون من الحراك الشعبي المناهض للحكومة العراقية؟ وأقصد التظاهرات الشعبية؟
٭ العراقيون بمختلف انتماءاتهم يعلمون جيداً بأن العملية السياسية التي أنشأها ورعاها الاحتلال، وعمل طيلة هذه السنوات على دعمها وحمايتها واستمرارها، كانت وما زالت هي السبب الرئيسي في المأساة التي يعاني منها العراق وشعبه، وأنها والمسؤولين فيها من الفاسدين واللصوص وورؤساء العصابات والميليشيات الطائفية الإرهابية، يقفون وراء الكارثة التي تعصف بالعراق الآن.
وقد رأى العراقيون حجم وضخامة الاحتلال والتدخل الإيراني وتياره الصفوي داخل هذه العملية التي باتت تحت سيطرته بالكامل وعلى جميع الأصعدة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، وفي عملية اتخاذ القرارات بكل ما يتعلق بإدارة شؤون السلطة في العراق، حتى وصلت وقاحة المسؤولين الإيرانيين إلى التصريح علناً وبدون أي خجل أو اعتبار أو احترام لمشاعر العراقيين أو حتى لأصدقائهم من العرب، من أن العراق جزء من الامبراطورية الفارسية؟؟؟
ولكن شعب العراق العربي في جنوبه وشماله لم ولن يسكت على هذه اللعبة المؤامرة، وكان الجواب والرد من عمق جنوب العراق، في البصرة الفيحاء وذي قار البطولة والمثنى، ومن رحاب الفرات الأوسط ودرّته بابل وكربلاء والنجف، لتهتف النفوس الأبية (إيران برة برة.. بغداد تبقى حرة) ويُحرق العلم الإيراني ويُداس بالأحذية، وتنطلق التظاهرات الشعبية بوجه هذا التغول والاستهتار والوقاحة والفساد والعدوان، لتمثّل امتداد لثورة العراقيين ومقاومتهم الباسلة ضد الاحتلال ومشروعه الفاسد ومخلفاته. وطالبت الجماهير الثائرة بإسقاط العملية السياسية وإسقاط دستورها المسخ، ومحاكمة المفسدين والفاسدين، وإعادة الأموال المنهوبة، ورفض السياسات القائمة عليها، ورفض الاحتلال الإيراني والمطالبة بطرده من العراق وحل ميليشياته، وإقامة نظام سياسي وطني ديمقراطي جديد لبناء دولة يسودها العدل والإنصاف والمساواة والمواطنة، لا انفراد فيها ولااستئثار ولا إقصاء ولا اجتثاث.
٭ كيف ترون ما يحدث من حشد عراقي وغربي لمعركة الموصل؟ وهل ترحبون بالدور التركي؟
٭ كانت بداية التدخل الدولي في العراق وبقية الأقطار هو في العدوان على العراق واحتلاله وتدميره وإسقاط دولته الوطنية، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، واجتثاث وحل وحظر حزب البعث ومؤسساته الفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية، وملاحقة واعتقال وقتل وتهجير كوادره الوطنية. وكان ذلك مدخلا لإسقاط دول بعينها فيأتون الصراعات والفتنة والتمزق، وأصبحت الساحة العربية ملعباً لصراع الدول الكبرى من أجل تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين الصهاينة والفرس والاتراك وفي عملية تقاسم النفوذ في ما بينهم على حساب أمتنا، وبات هذا الصراع يهدد وجودها وهويتها كأمة، ووحدة أقطارها، ومستقبل شعبها وأجيالها لزمن بعيد.
إن العدوان على العراق واحتلاله كانت له ارتدادات عنيفة على دول العالم أجمع ويكاد يكون هو السبب الرئيسي وراء الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية في دول الإقليم والعالم، وفي تهديد الأمن والاستقرار، وأيضاً على من شارك فيه وشجّعه ودعمه من الدول العربية وغيرها، ويكاد لن يسلم منه أحد. فإذا لم يتم تصحيح مسارالأحداث والتداعيات، والاعتراف بالخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحق العراق وشعبه، وإعادة الحقوق إلى أهلها وأصحابها في العراق وسوريا وفلسطين، وإعادة النظر بالسياسات العربية والدولية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال الحوار مع قوى المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية في العراق وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي لوضع استراتيجية حل شامل للوضع في العراق يفضي إلى تغيير جذري في العملية السياسية الطائفية الإرهابية الفاسدة، فعليهم أن يتوقعوا المزيد من الدمار والإرهاب والتدهور واستنزاف الثروات وانتشار الرعب والخوف والفقر والجهل والتخلف.
إن موقف حزب البعث العربي الاشتراكي ثابت في رفض ومقاومة جميع أنواع التدخل الأجنبي في شؤون العراق والدول العربية الأخرى، سواء كان هذا التدخل أمريكياً أم روسياً أم غربياً أم إيرانياً أم تركياً، ولكننا في الوقت ذاته نرحب بالدعم والإسناد الإيجابي من الأشقاء العرب أو الدول الصديقة لأنه سيصب في مصلحتها أولاً، وأيضا تحافظ من خلاله على أمنها واستقرارها ومنها تركيا بشكل خاص أوغيرها من الدول.
٭ في نهاية اللقاء، ماذا تود أن تقوله للعراقيين والعرب والعالم؟
٭ أقول وحسب أهمية الذين أقول لهم وحسب تأثيرهم في صراعنا الدامي مع الغزاة المعتدين أمريكا والصهيونية العالمية والاستعمار الغربي وإيران الصفوية وكل قوى الإرهاب والتكفير، إقول لأصحاب القضية، أصحاب الحق العراقيين وقواهم الوطنية والقومية والإسلامية ومقاومتهم الباسلة البطلة، إقول لشعب العراق العظيم شعب التاريخ وشعب الحضارات الشعب الذي رسم وبدأ الخطوات الأولى للحضارة الإنسانية، الشعب الذي علم الإنسانية الكتابة حتى وصلت اليوم إلى أرقى وأوسع العلوم في مختلف مجالات الحياة على الأرض، واخترع لهم العجلة لينطلقوا منها خطوة خطوة حتى وصلوا إلى القمر والمريخ، الذي وضع لهم أسس وقواعد العلوم في الحساب والجبر والكيمياء والفيزياء والطب وعلوم الفلك، هذا الشعب الذي لقن الطغاة البغاة المعتدين، وعلى رأسهم أمريكا، دروساً في الثبات والصبر والشجاعة والتضحية ما يغني شعوب الأرض المستعبدة وينير لها طريق النضال والكفاح للتحرر والاستقلال اولاً ثم ما قصم به ظهر التجبر والتكبر والتعسف والعدوان الأمريكي على الشعوب ومما جعل القطب الأوحد المنفرد المتمرد إلى اليوم يرتجف حتى من التفكير بتكرار ما فعله في العراق، في مكان آخر من العالم حتى تنمر عليها الكبير والصغير وحتى تنمر عليها القوي والضعيف، قتل من الأمريكان (73) ألف غاز، وخرج من المعركة نصف مليون غاز معوق مادياً وجسمياً أو نفسياً ومعنوياً. لقد وصل الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانهيار بل وصل الكيان الأمريكي إلى حافة الانهيار لولا هروبهم من أرض المعركة.
أقول لهذا الشعب البطل وقواه المجاهدة هنيئاً لكم الانتصار التاريخي، وأقول لهم اثبتوا على ما أنتم عليه من صمود وتحد حتى النصر الشامل والكامل لوطننا الحبيب ولا تلقوا السلاح قبل ذلك اليوم المجيد حتى لو طال الزمن لأجيال قادمة.
أقول لحكام العرب لازالت الفرصة قائمة أمامكم لاحتضان المقاومة العراقية وقوى الشعب المعارضة للاحتلالين الأمريكي والإيراني الصفوي ودعمهم بالمال والسلاح والسياسة والإعلام لإنجاز هدف التحرير بوقت مبكر وإلا فالحرائق ستصلكم وتحرق الأخضر واليابس في بلدانكم، ولن تستثني إيران أحداً منكم ليضع العقال على رأسه ويقول أنا عربي. أملنا ما زال قائماً بانتفاضة كبرى بقيادة المملكة العربية السعودية ونخوتها وبقيادة دولة الإمارات العربية ودولة قطر وكل أعضاء التحالف العربي بالرغم من التراجع الكبير والتردد الخطير لهم تجاه العراق وشعبه ومقاومته الباسلة.
أما ما أقوله للعالم، فالعالم كله وبدون استثناء محكوم ومكبل بسطوة الأقطاب الكبار وعلى رأسهم أمريكا، دولة البغي والعدوان فإني استصرخ ضمير أحرار العالم أن يعبروا عن ضميرهم وعن إنسانيتهم ولو بكلمة حق للدفاع عن شعب العراق وأحراره وحرماته ومقدساته التي تنتهكها حكوماتهم ليل نهار. أقول للعالم ألا يكفيكم سقوط مليوني شهيد سفكت دماؤهم بسبب العدوان والاحتلال الأمريكي والإيراني الصفوي، لكي يتحرك ضمير العالم المغيب والمهمش، وأنا مؤمن وأعلم بأنه ليس للعراق إلا شعبنا العظيم وحزبنا المجيد وأمتنا المتحفزة إلى ثورتها الكبرى التي بها ستنتصر إرادتها، وستزيل الباطل بعون الله، ويؤمئذ سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
احمد المصري