(مقبرة جبلية… ج4)
“انعتاق”
بلا جناحٍ.. فوق جفني تطيرين
تداعبين غيمةً.. لتمطر.
خيطُ دخانٍ بين سبّابتي وقدمك…
أرتشفُ المطرَ.. نبيذاً ليلكيّاً
وأهوي فوق كتبي الفارغه…
طفل حالم.. أسمع أغانيك
حتى أنام…
حضنك.. طارد الشتاءِ
وأنا منذ دهورٍ..
أمّي ماتت…
مجوسيّ.. يغتالني برداً..
ورأسي في قبّعةِ المعمدان
هجرني الله..
وصليبي فوق روح منهكة..
وحي الكمان في معي قطط
فالشجر لا ترويه.. جذور…
د. زهير سعود
———————————
القراءة
يخاطب الشاعر أنثى بضميرالمخاطب، ربما تكون حبيبته.. أو رمزا آخر
فهي تطير وتحلق بلا جناح .. روح أو إبداع.. ، تتحرر وترفرف فوق غيمة، تتعانق مع خيال، حينها يهطل فكره نيرا منعتقا من كل الرواسب السوداء، يختلط بخيوط دخان سيجارته عالقة بسبباته ، يمسك بذيل نبوءة، يرتشف الإلهام والنور المتقد من نورانية الخلق، فيثمل من وهج الانتشاء، كأنه تجرع نبيذا بنفسجيا معتقا، فيتدفق إبداعه كالشلال فيهوي فوق الكتب الفارغة ليملأها وينسج حكاياته بنسيج حيك بخيوط شمس.
كطفل حالم بحضن دافئ، يسمع أنغام عزف الفكرة فيغفو سعيدا، في حضن حبيبة تقتل برد الشتاء، فبرغم اشتعاله بحب أزليّ يقتله البرد.. كمجوسي عابد النار بدم بارد يسلبه كل مايملك.
على أقدام أليصابات نرى مشهدًا يمثّل ولادة، حيث نشاهد المولود الجديد، فرأسه في قبعة الأنبياء كقبعة يوحنا المعمدان.
أيقونة فكر إنساني، إنسان معذب تركه الله، وقد صلب جسده المتألم ..وروحه أنهكها المسير،هو مازال منهمكا بكتابة اسم مولوده الجديد ..والمبشرون والمبدعون يحملون رأس نبي.. سيردون العصاة لحكمة الأبرار، ويعمدون البشرية ليغسلوا خطاياهم، وبروح النقاء يكتبون قصة.
ومازالت سالومي تتلوى لتغري نفوس الشر وتطلب رؤوس الأنبياء.
حيث وجدت القصة القصيرة جدا بلا أم .. فهي ليست وليدة الرواية ولا القصة القصيرة، هي مخلوق ولد كائنا بلا انتماء.
فنراها في الثقافة الشرقية وفي الغربية .. والعربية.
ولقد جاء في مقالة للدكتور زهير سعود مايخدم ويدعم ما أتيت به من قراءة:
” لقد ابتلع الرومان والفرس حضارة الأغريق ثم ابتلع العرب ثقافات الشعوب التي سبقتهم في مدّها الحضاري، وهكذا فعل العثمانيون لينتهي الأمر بحضارة الغرب والرومانتيكية التي استفادت من علوم ومعارف الشرق الكتابية والحضارية.. ” انتهى…
وبدأت القصة
فالتاريخ يكتبه الأقوياء، والغالب يفرض ثقافته.
وقد ترمز للحضارة الإسلامية العربية التي امتدت وتمازجت مع الحضارة الشرقية المجوسية ، والغربية وفي الأندلس التي اعتلى صليبها على روح الأمة المنهك.
ومن ثم لمع الفكر الغربي الحداثي.. الذي انبثقت القصةالقصيرة جدا من معاناة الفلاسفة والمفكرين.. الذين رفضوا واقعهم وعبثيته، ليطرحوا فكرا للنهوض بمجتمعاتهم، ويتمردون رافضين كل القيود الفكرية والاجتماعية.
والآن لانسمع إلا الألحان والشعر والأدب التي تزعجنا
والكمان يعزف ألحانا خبيثة.. لا عجب .. فلقد تشكل من خيوط معي القطط، وهي المشهورة بالخبث، ومن ألياف الشجر الذي يكون عادة كريما معطاء، فينثر جمالا وثمارا ويمنح الظل والنسائم والحياة… لكنه الآن يبس .. فالجذور الفاسدة لا تطرح إلا خبثا.
فلا نسمع إلا ألحانا تخدش الأذن.
فعندما يشتعل الخيال ونحاول أن نلتقط فكرة يجب خلع الثوب القديم الذي تلطخ بألوان قاتمة، ولبس ثوبا جديدا مزركشا خال من العيوب.
لذا إذا قررنا البحث و الكتابة :
“القاعدة الأساسية لمنهج البحث العلمي هي أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يَعْلَمَه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوا تاما.. والناس جميعا يعلمون أن هذا المنهج الذي سخط عليه أنصار القديم في الدين والفلسفة يوم ظهر، قد كان من أخصب المناهج وأقومها وأحسنها أثرا.. وأنه الطابع الذي يمتاز به هذا العصر الحديث.. فيجب ألا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح”