قراءة نقدية في افتتاح جرش 2025

بقلم : المخرج زيد القضاه

توطئة:
النقد احدى العلوم التي أسهمت في تطور الحياة بكافة مناحيها والنقد العلمي يسهم بالضرورة في عجلة التقدم والتطور واذا ما غاب النقد تسود منظومة مفاهيم الشخصنة والتفرد بعيدا عن المشورة ويختلط الحابل بالنابل ويصبح من يتصدر المشهد منظومة علاقات لا أصحاب الاختصاص في العلم والمعرفة وعندها يتهاوى الإنجاز يوما بعد يوم الى ان نصل الى حالة من العشوائية في بناء الخطاب الثقافي السلوكي والفني وبالتالي الاجتماعي ، ورصانة النقد حتما تعبر عن مدى تقدم الدول وتطورها …
وعندما تقف على ناصية التاريخ لا مجال للارتجال ولا يغتفر الخطأ اما الحياد والمجاملة تفرض تكراره واستمراره .
افتتاح مهرجان جرش 2025
( هنا الأردن … ومجده يستمر ) قدسية العنوان واهميته تضع المتلقي داخل الأردن وخارجه امام صورة متخيلة لما سيكون علية الافتتاح ففي الجزء الأول يراودنا حلم استحضار الأردن المجيد بإنجازاته العظيمة امر مفروغ منه في علم المعنى وقيمته شكلا ومضمونا سيما والجزء الثاني جاء مؤكدا على التاريخ المجيد والذي نؤكد بدورنا انه سيستمر رغم الظلاميين وما يتمنوه .
وبعد طول انتظار الذي تم تكثيف الإعلان فيه بدءً من جميع وسائل المرئي والمسموع وانتهاءً باللقاءآت التلفزيونية وصور اللوحات التي تزين شوارع عمان والتي تنبئ عن حدث يليق بتاريخ وطن عصي على العبث والمزاودة والارتجال .
يأتي الافتتاح أخيرا والجميع متسمرٌ امام شاشة الوطن ( بيت الخبرة والابداع ) لمشاهدة البث المباشر لحفل الافتتاح المتخيل .
على المسرح الشمالي العريق تطل الزميلة الإعلامية المخضرمة لانا القسوس بكل البهاء لترحب براعي الحفل مندوب سيدي صاحب الجلالة الهاشمية دولة الدكتورالرائع جعفر حسان وبضيوف الأردن وبالجمهور الكريم .
يعتلي منصة المسرح الشمالي معالي وزير الثقافة السيد مصطفى الرواشده ليملئ الوجدان بكلمة فيها عبق تاريخ الأردن العريق نابعة من القلب مصدرة بعفوية ملقيها الى القلوب دون استئذان وبجمل شيدت عمران الفراغ على المسرح ثم يترجل معاليه وسط تصفيق لما اطرب اسماع الحاضرين .
يعتلي الخشبة رئيس بلدية جرش وبعفوية كل الأردنيين ينثر الترحاب بكل الحاضرين ويؤكد على ما نتفق عليه جميعا وهو قيمة مهرجان جرش واهميته والتي تنافس بل وتتفوق على مثله من المهرجانات بالوطن العربي والعالم .
لحظات ننتظر فيها اشعال شعلة المهرجان لهذه الدورة وهنا يبدأ المتلقي المقارنة بين ما هو متوقع لحفل افتتاح مهرجان الوطن وبين ما هو واقع فتشخص ابصار الحاضرين الى السماء لترى شعلة المهرجان من خلال طائرات الدرون وتبدأ كاميرات المصورين تتراكض لاهثة لتلتقط التشكيل( في علم الدلالة ) جاء التشكيل غريبا عن طبيعة واقع الحدث الاثري التاريخي ولكن ما قد يشفع لتلك الغرابة جمال الصورة لسيدي جلالة الملك حفظه الله والتي تلاها علم الأردن الشامخ والمجيد ( مع الاخذ بعين الاعتبار انه في هذه الحالة لا مجال للتجريب اوالارتجال ).
• السؤال هل فكرة الدرون فعلا إضافة نوعية لحدث بهذا الحجم ؟ هل أدت المستوى المطلوب ؟ وهل لوغو الشركة التي نفذت ذلك التشكيل من الأهمية لأن تكون ضمن ايقونات المحتوى ( ربما يكون ما قدمته مجانا كهدية للمهرجان دون اجر لتستثمر اسمها … لكن نؤكد حسب علم الدلالة بأنه لا يجوز لها ذلك لرمزية الايقونات المشكلة ؟! ) ؟
تقدم الزميلة لانا القسوس أوبريت ( على ذرى المجد ) بتوطئة اعلنت فيها قيمة اللغة العربية وبلاغتها في اشعار شاعرالأردن الكبير حيدر محمود المغناة باللهجة المحكية لا الفصيحة ويحسب لها ذلك وتخرج .
تبدأ على صدر خلفية المسرح تشكيلات صورية ويبدأ معها انحسار واضمحلال افق التوقع للطريقة التي من المفروض انها مبتكرة وخارجة عن المألوف فعلى صدر المسرح وآثاره الراسخة منذ آلاف السنين تقحم صور الذكاء الاصطناعي والتي تحتوي على تركيب اثاركما في لعبة الليجو من مكعبات الأحجار وتشكيلاتها فتلغي بذلك جماليات التشكيل المعماري التي امتدت وستبقى راسخة عبر التاريخ ، وهذا خارج عن المألوف فعلا ولكنه ليس إيجابيا او مدروسا او ذا معنى وقيمه سيما وانه قتل جمال الأصل بدلا من الإضافة عليه.
* السؤال اليس الهدف من بناء خلفية للمسرح بشكل عام هو تأكيد على طبيعة ومحتوى الفكرة في مستواها الثاني بعد المستوى الأول وهو إضافة جمالية لمكان لا جمال فيه ؟

خشبة المسرح فارغة فتظهر قامة فنية اردنية هي امل الدباس بصوتها العذب لتقدم نص على ذرى المجد ويتبعها الفنان والنجم الصاعد هاني الخالدي ثم تلحق بهم فنانة تبني خطاها الفنية يوما بعد يوم وهي نغم بطارسه وتبدأ حوارية فيما بينهم تارة وبين الموسيقى تارة أخرى في وسط فراغ ابتلع طاقاتهم الإبداعية ووضعها في التيه وعلى تلك الخلفية الاصطناعية المتحركة والمشتتة.
الصورة والإضاءة :
ان الإضاءة المسرحية وضيفتها الأولى انارة الممثل / المقدم ثم تنتقل الى مستوى اخر وهو المستوى الدرامي الذي يرتبط بحدث معين لتؤكده او تمهد لما بعده … ما شاهدناه في اضاءة الاوبريت وصورته بدء من صدر خلفية المسرح ( تشكيلات المنظر) لم ينسجم مع ما يقدم على المسرح الفارغ الا من الفنانين المبدعين فجاءت مشتتة الى الحدث الذي يقدم والأكثر خطورة رمزية حركة تلك الصور التي تهدم الآثار المبنية في ذات الصور وتحديدا في خاتمة تشكيلها .
التشكيل الحركي :
يعرف الفنانون ماذا تعني حركة الممثل فهي عبارة عن تشكيل يتناغم مع الفعل المنطوق ويؤكده ويترجمه بتشكيل جمالي يدهش المتفرج وفي طبيعة الاوبريت يكون التشكيل في المجمل رشيق الإيقاع واستعراضي وقد يغطي هذا الجانب فرقة تبنى حركات تشكيلها بما يتناسب وطبيعة المشهد وهنا يكون كل ما على المسرح مقصود وواع لكن فيما شاهدناه هو حركة ممثلين تائهين في الفراغ وما زاد الطين بله وجود فرقة استعراض في الساحة تحت خشبة المسرح تقوم بحركاتها وكأنها في مكان بعيد ومستقل ولا علاقة له بما يقدم على المسرح .
الميزانسين العام :
هو توزيع الكتل لخلق التوازن البصري لدى المتلقي وفي اوبريت على ذرى المجد وللأسف تم تلاشى الميزانسين وتاه المتلقي بين الجوقة التي تغني في اعلى المدرج على يمين المسرح قريب الجمهور وتلك التي تغني على اعلى شمال المدرج على يسار المسرح وبين الجمهور ايضا والفرقة التي تقدم استعراضها في ذات الوقت في الساحة تحت المسرح وبين الممثلين على المسرح في الفراغ …

في الختام :
ان الاوبريت فكرة تبنى على نص فيه مقدمة ووسط ونهاية بحيث ان فعل الفكرة يتنامى ليصل ذروته فتستقر رسالته في ذهن المتلقي وهذا ما لم نجده في ذرى المجد الذي جاء عرض مدرسيا بالمجمل .
* ويبقى السؤال الا يوجد في الساحة الفنية أصحاب اختصاص من كتاب ومخرجين؟
ان الساحة الفنية الأردنية تزخر بالمخرجين الذين لهم تاريخ محفور في صدر الابداع وعلى سبيل المثال لا الحصر اذكر الزميلات والزملاء لينا التل ومحمد الضمور ومخلد الزيودي وفراس المصري وسمر دودين وسوسن دروزه وعبدالكريم الجراح واياد شطناوي والكثير اليس من الأولى ان يتم استثمارهم والاستعانة بخبراتهم لحدث وطني بهذا الحجم ؟!
أتمنى في الدورات القادمة ان يكون الافتتاح يليق بمستوى هوية وقيمة المهرجان وبعيدا عن الارتجال والتخبط والتكسب وتجار الفن.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!