كنت أعرف أن المساء فسحتك المفضلة مع الذات ؛ تجلسين إلى دواخلك ؛ وترقبين
كيف تشرب النشوة منك لون الكلمات ؛وأنت تطرزين غفوات الماء على سرير
اللغات . على جنبات المساء يقيم الوصل ؛وتزهر في الوجدان وشوشات البين ؛
فكنت تدربين خطواتك على الأسرار ؛ وما لا تدركه الأبصار.
كأن المساء لديك معرفة بأحوال التيه في ارتعاشات الكلام ؛ وأنت تنسجين طلائعه
من عطرك المستخلص من موج الطمأنينة . هادئة كالصمت تخيطين خدوش الوجد
بأنفاس خفيفة من الأبدية .
هل تحرسين المساء في وحدتك أم تفتحين للشساعة حدا من حدود التأمل في انتساب
المــاء إليك؟
كنت أسمع أنفاسك تتسع في مداها ؛ فأحمل قدمي إلى هواها ؛فيضحك الطفل الذي
يكوننا بين شقائق النعمان وأطواق الحمام ؛كأنه قنديل يقود خطونا كل الفصول .
ورأيتك تضحكين تحت سقيفة المساء ؛ والسكون يضرب خمائله على شفتيك ؛
وإذا بخطوتين منك تسرج الشوق في دمي؛ هبت جمرة الذهول في داخلي ؛ وعبرت
قبة المساء بسلام .
هل المساء ورعك الهادر بصخبك ؟
أحسبني أسأل خلوتك عني ؛ فأقنع بالنظر إلى شفتيك ؛ثم أدفع عني حرق الهوى
حتى أضحك بين يديك ؛ وأحيا عامرا بك ؛ قائما في كينونتي أرى الكون من ذاتك
مستقلا بك وقائما في إدراكي.
لست أدري إن جاء العالم ملفوفا بسطوعك لا غياب فيه أبدا ؛كأن المحو انغمس
بعيدا عن اللغة ؛ وتولى وجدانك الشفيف بناء المعنى. الآكد أن كيمياء الحال توأم
الإرادة فيك ؛ وأن المقاصد جوهر تناسبت ماهيته مع لون عينيك.
كأني أبصر ملامحي تتوطن في معناك ؛ ولا معنى لي سواك. على حد الوقوف
رأيت لغتي تفك عزلتها عن المعنى فيك ؛ وتشابع كل نظام رمزي داخل أنساق
تواتر خطوك ؛والمساء لسان المعنى ؛وإرادة الرغبة ؛فكان الثراء بالدلالة ؛
والفطام عن كل سهو أو ذهول يتكلمان عنك بإطمئنان نفيس .