في أوائل سبتمبر من صيف 2018م، وترويحا عن النفس ؛ وهروبا من وجعٍ تعيشه مدينتي الحبيبة تعز ،غادرتها وقتذاك في رحلة ترفيهيةٍ دامت أسبوعا كاملاً..
وفي رحلتي تلك – والتى لن أنساها ما حييت – وجدتُ معشوقتي الأبدية، وقد كانت غانيةٌ مدللةٌ ،. ترتدي سجاداً أخضرَ، مرصعاً ياقوتاً وزبرجدا ً ، على كتفيها وشاح مزركش ، وكأنه مجموعة نجم تدلى منها..
سحرتني بجمالها ، حينَ رأيتها ، أسرتني ضحكاتها ذلك اليوم في إحدى القلل التي أنخت محملي فيها ..
عجيب أمرها ! لماذا تخلت عن حشمتها ؟ لمَ لا أحدَ برفقتها ؟ ولمَ تظهر لي ؛ لابسة تلك الحلل الفاخرة؟وجمالها يغنيها عن كل زينة وحلة ، أهي عروستي ؟!
يا ألهي: من تكون هذه ؟ ولمَ تكشف عن نقابها ؟ ألا تعلم أني متزوج؟ ألستُ أعرفها؟ كأني قد رأيتها ، وكأنها لأول مرة تبدو سافرة..
ألا تعلم تلك الفاتنة، أن زوجتي لا تؤمن بمبدأ التعدد ، وستحول حياتي جحيما، بمجرد عودتي للبيت مذهولا..
أتقبل غانيةٌ ثريةٌ بي ، وأنا لا أمتلك ياقوتة من أولئك الياقوت المبعثر على فستانها..
جيدها كجيد غزالة ، وأية غزالة هي ، ومن للغزلان بذلك العقد الذهبي الثمين المحلى به فاتنتي ..
سال لعابي! ، وفقدت صوابي!..
لم أستطع أن أبرح الأرض ، صادت قلبي بسهام عينيها ، تسمرت في مكاني ، فأتخذت لي متكأً ،،وطلبت من رفاقي المكوث هناك ، أخبرتهم أنه أفضل مكان للمقيل ، مدعيا معرفتي بكل الأمكنة الماتعة في رحلتنا وخصوصا في ذلك الصيف الباهر جماله في تلك المدينة..
بقيتُ حينذاك أقضب أغصان القات من غير النظر اليها ،ومن غير مسحها أيضا ، أسارق زملائي النظرات والغمزات لتلك الغانية.
لم أبالِ بزمهرير الرياح ، بالرغم أن جسدي يقشعر منه بين آنٍ وآخر.
عشقتها بكل جوارحي ، أرتشفت تلك النسمات العليلة الخارجة من ثغرها ، حين ابتسامتها ، فزاد سكري.
داعبتها ، وشممت رائحة سجادها ، وحاولت غير مرة أخذ وشاحها ولم أستطع لكبر حجمه ، ولعدم حصولي على جواب مقنع سريع لزوجتي الحبيبة حين تسائلني : وشاح من هذا؟ بعد أن تراه في حقيبتي ..
تذكرت غضب زوجتي ، فتركته!.
لم يرق مقيلنا لجلسائي من شدة البرد ، وقرروا مغادرة المكان ، سأجلس لوحدي ،أريد أن أبقى ، لم تحن تكيفة القات بعد، ما تنفع أي حيلة، كي أبقى مستمتعا برؤية وجهها الأبيض المخلوط بالحمرة ، وكأنه ذهب شابه فضة!.
أواه ، سنذهب ، سأفارقها.
لوحت بيدي إليها خلسةً، أريد توديعها ، وكان شمس الأصيل يودعها معي إيضاً ، وكأنه ذهب يذوب ويتساقط على وجنتيها..
آه ..كم زادها ذلك الأصيل جمالا ، لكني تركتها بجسدي فقط ، أما روحي فلا، فقد انشطر عند رؤيتها كذرة هيدروجنية..
ولا بد أن بعض روحي قد سكن فيها…
عدنا إلى الفندق الذي نبيت فيه ، ويا ليتني ما عدت!
أكلت طعام العشاء ولم أعد أتذكر ماهو؟
شارد البال ، مجزء الروح ، حتى أغصان القات لم تصنع لي سعادة كما هي عادتها..
أريد أن أتحدث لتلك الفاتنة ، أريدها أن تسامرني ، أتمنى أن تكون عشقتني كما عشقتها..
أحادث نفسي ، هل أنا جميلٌ حتى تعشقني.
نظرت إلى وجهي في مرآة محطم زجاجه، لستُ جميلا بمستوى تلك الفاتنة..
قبحتُ وجهي وقبحت حامله ، وعلى الفور دخلت صالون حلاقة ، وأخبرت صديقي الحلاق أني عروسا.
نظرت إلى وجهي ثانية ، بعد أن سمعت الحلاق ورفاقه
يتمتمون بتبريكات الحلاقة المعتادة ، “نعيما”،” نعيماً يا موفق ”
ذكرتني مباركتهم بما يجب عليّ دفعه ، حينها تذكرت أن مخبئي فارغا ، لقد دفعت كل ما فيه لعسكر الأمن ، الذين لم يجدوا وسيلة للتبلطج علينا سوى رخصة القيادة..
أخبرت رفيقي الذي في كرسي الحلاقة المجاور ، والذي لم تنتهِ حلاقته بعد ، بدفع الحساب ، واللحاق بي.
سبقته إلى غرفة استراحتنا، وفتحت شبكة النت..
أريد أن أعرف اسمها ، لا بد أن اسمها سيكون جميلا.
تذكرت شخصا يعرف معظم غانيات المدينة، اسمه ياقوت الحموي.
أتصلت به على الفور ، أخبرته بأوصافها ، وأين رأيتها ، وبكل شاردة وواردة عنها.
قال لي بأن جدها كان يسميها “الثجة”
لم أعرف مدلول اسمها ، فقلت له : أليس لها اسم آخر؟! ، أمها بماذا كانت تدللها وهي صغيرة.
انقطع الاتصال لاستنفاد رصيدي..
في تلك الليلة الموحشةِ لم يأتِني نومٌ يذكر، بل أتاني خيال تلك الفاتنة ، رأيتها وكأنها لوحة فنان نقشت على جدران غرفتي. .
بدأ قلبي يرتجف خوفا من كونها جنية ..
بتّ – طوال الليل وكل رفاقي سابحون في نوم غطيط – أعوذ نفسي بآيات القرآن الكريم ، حتى مطلع الفجر..
نمت قليلا ،وقد ولج النهار واستيقظت متأخرا..
ظللت أحاور نفسي هل أذهب لرؤية تلك الغانية ، وعزمت على الذهاب لمكان آخر ..
قلت في نفسي ، لن أراها ، وسأنسى عشقها شيئا فشيئا..
وصلت مع رفاقي إلى أعالي جبل بعدان ..
وتحت الظلال الوارفة ، نصبنا خيمتنا وبدأنا نمضغ قاتنا الشهي الثمين..
ومع بداية مرحلة النشوة ، تمنيت أن أراها ، وتذكرت اسم الثجة ، سألت كل من رأيته عن هذا الاسم ومدلوله، أخبرني بعض أصحاب المعاجم أنه يعني:” روضة أو حفرة يصنعها المطر…
ظهرت أمامي فجأة وبحلة بهية، ظهرت والأنهار تنصب على رأسها انصبابا ، ووقتها خاطبتها قائلا : من أنت أيتها الفاتنة ؟! ضحكت ! ، وقالت ساخرة : ألا تعرفني ؟ لقد روادتك مرارا ؟
قلت:لا ..
قالت : أنت السلمي ، ابن الغالية تعز ، أعرفك تماماً ، دخلت ذات يوم أطراف مزراعتي ، وقطفت منها أزهارا..
وهي تشير بقطفي لورودها إلى زواجي منها!
وأضافت ممتنة: “كنت سأنهرك لكني عندما رأيتك تشتم أريجَ وردٍ، وتنشدُ أشعارَ عشقٍ ، تركتك ، وشأنك ، وقلتُ : “مجنونَ زهرٍ”…
لحظتها عرفت بأن معشوقتي وغانيتي لم تكن سوى هذه المدينة…
مدينة إب الجميلة. .
مدينة الأمطار والأنهار الجارية. .
مدينة الملكة أروى التى يحيّ قصرها شعاع الشمس كل آن ٍ من نافذة ..
“أنا عمتك يا ناكر الجميل والود والعشرة”.
هكذا كانت تصف نفسها ، دون توقف ، أو تعتعة..
نزلت من أعالي الجبل، خجلا، مرددا:” يا إب من ينساك إلا جاحدٌ، أو حاقدٌ ، أو جامدٌ ، وبلا شعور…