آفاق حرة
كتبت :بلقيس عباد
-نظّم منتدى الريادي الأدبي ندوة نقدية تحت عنوان: البردوني في ذكراه الرابعة والعشرين: قراءات نقدية في منجزه الإبداعي..!
هذا وفي مستهل الندوة التي ادارت نقاشها في صفحتها بتويتر الإعلامية: عفاف ثابت، بمشاركة الأستاذة: بلقيس عباد المنسقة للندوة، رحب الاخ زكريا الغندري رئيس نادي الريادي الأدبي بالجميع شاكرا الدور الكبير لإدارة الندوة المساحة من قبل الاستاذة عفاف ثابت والأستاذة: بلقيس عباد منظمة الندوة، شاكرا كل التعاون من الجميع ولمنصة البردوني التي في وسائل التواصل الأجتماعي ولمديرها أبا الهيثم الذي يعمل دون كلل من أجل توثيق إرث البردوني كذلك موجها شكره الكبير للمتحدثين بالندوة ..!
هذا وفي مستهل الندوة التي حضرها عدد من نقاد الأدب في الجمهورية رحبت الأستاذة عفاف ثابت مقدمة الندوة بجميع الحاضرين وبالدكاترة المتحدثين كما تطرقت عن حياة شاعر اليمن وعن دوره المشهود في الارتقاء بالشعر الحداثي وعن عظمة هذا الشهر الفضيل المبارك شهر سبتمبر مستهلة ببعض ابيات عن سبتمبر لشاعرنا البردوني..!
بدات الندوة مع المحور الأول الذي قدمه إبن قرية البردوني واحد الذين وجدوا بالقرب منه الدكتور أحمد الفراصي أستاذ الأدب والنقد بجامعة ذمار الذي كان محوره عن حضور القرية في شعر البردوني بين السيرة والرؤية، مستهلا ورقته بالتحية لكل الذين يحيون هذه الذكرى العظيمة متطرقا *حضور عن النص عند البردوني يتميز بتجربته المدهشة في رسم فضاء القرية … فهوحين يستحضر القرية لا يكتب من الذاكرة تماما ولا تنزلق شعريته من خلال أطر لغوية مسبقة وجامدة، إنه يصنع حياة شعرية من تجاربه الذاتية الصغيرة المخزنة في ذاكرته، ويظهر مجتمعها بنواقصه وآلامه وأحلامه، ويمتثل تماما لما تمليه فروض الكتابة الواعية المنظمة التي تنقل فوضى العالم إلى آفاق الرؤية الذاتية. فحين تلتقط عين الشاعر مشهدا قرويا يوميا محددا، فإنها تستعير حين تنقله إلى اللغة رؤية خاصة قد لا ترتبط بالمرئي والملاحظ؛ بل بالمهمل وغير المرئي والمسكوت عنه. ولكنها رغم امتداداتها الرؤيوية تظل تمتح من اليومي وحقيقته. وهنا يمكن القول إن حضور القرية في شعر البردوني لا يقف عند السيرة الذاتية فقط، بل يندمج بالخيال الشعري والرؤية الذاتية، وهنا ترتفع القرية إلى مصاف الشعر في أبهى تجلياته.
اما المحور الثاني فكان للدكتور محمد البكري الذي كان عن مفهوم الثورة في شعر البردوني وعن ماقدمه من شعر ثوري وعن دوره المشهور بثورة 26سبتمبر وماتعرض له بسبب اشعاره الثورية..
متحدثا عن السياق البردوني: من الدارسين والباحثين والقُرَّاء من يختزل المنجز الفكري للبردوني في كونه شاعراً كبيراً، وعلى أهمية شعر البردوني، وتأثير تجربته الشعرية فقد جنى ذلك الاختزال على فكر البردوني الذي شغل حيزاً كبيراً من حياته ومن إنتاجه، وعبَّر فيه عن مثقفٍ عمومي شديد الالتحام بواقعه وشديد الرهان على دور المثقف في تغيير واقع مجتمعه، لما يعنى به من دور الكلمة المسؤولة في التنوير والتغيير.
وما تحاوله هذه السطور هو شيءٌ من محاولة التنبيه على أن منجز البردوني لم يُقرأ بعد، وأن قراءته ضرورية لفهم الكثير مما التبس فيه الفعل بالقول، وحاصرت فيه الأصداء روح الكلمة الحرة وموقفها المضيء.
اما عن الثورة في شعر البردوني: الثورات بالنسبة للبردوني هي أبرز تجليات الصراع في المجتمعات. وفي وصفه للدوافع الرئيسية للصراع لا يقصرها البردوني على الظاهر من أقوال المتصارعين- على أهميتها- وإنما يذهب إلى الحفر في جذورها إلى حد أنه يستعيد وقائع وأحداث في سياق الحديث عن وقائع وأحداث أخرى ويجري مقارنات بين الأحداث والوقائع، مستشهداً بها على أسباب غير معلنة لطبيعة الصراع. ويقول في ذلك: إن” الثورات تسوغها أهدافها، وحركة التاريخ مشروطة بحركة المجتمع، حيث إن الثورة مجرد وسيلة تخلقها الغاية، لأنَّ الوسيلة الطريق إلى الغاية، والغاية هي ملهمة الوسيلة، فلا فواصل بين الوسائل وغايتها، حتى عند صاحب الفكرة (مكيافللي)، فعندما رأى أن الغاية تبرر الوسائل، كان يربط بين قوة الدولة كوسيلة، وبين وحدة إيطاليا كغاية. كذلك السخط على أي وضع يكوِّن إمكانية إنهائه وتتوالد من خلال إمكانيات الإنهاء الغاية منه: وهو قيام الأفضل. ولا يخلق الأفضل إلا الفضلاء الذين تمثلوا من خلال القائم ملامح الممكن ونوعية صانعيه وصنعه، لأن جنس العمل من جنس عامليه.” (اليمن الجمهوري: 428). بمعنى أن الفعل المنسوب إلى الثورة دالٌ على وعي فاعله، فالفعل الأفضل يخلقه الفضلاء.
وعلى كثرة ما قيل عن الثورات في الوطن العربي أوجز البردوني رأيه في تلك الثورات بالقول:” من مستهل الخمسينات هبت الثورات في أقطارنا… ولكن كيف كانت؟.. ومن أي الينابيع انهمرت؟ لقد تصاعدت عن حسٍ شعبي، ولكن غير تغييري، لأن سائق المدرعة لم يخلف وراءه سائق الراحلة وإنما امتدَّ منه رغم عصرية الآلة وسلفية الراحلة …” ( اليمن الجمهوري:488)
اما المحور الثالث فكان للشاعرة الدكتورة: اميرة شائف والتي كانت عنوان محورها عن الجانب النثري في شعر البردوني هذا الجانب المهم الذي لطالما اهتم كثيراً النقاد بالجانب الشعري غير مدركين ايضا ان كل مايكتبه كان البردوني من كلام هو نثري متحدثة في ورقتها خارجُ الوزنِ والقافيةِ يعيشُ جنسٌ آخرٌ منَ الكلامِ هوَ النثرُ، وهوَ ثوبٌ منَ اللفظِ الأنيقِ يكونُ مزركشًا ومزخرفًا في إطلالتهِ الأولى معَ البردوني، وسرعان ما ينسلُّ في فهم المتلقي ليصيرَ بيئةً حاضنةً للفكرةِ والقضيةِ ،وقالبًا تجتمعُ فيه عناصرُ الحياةِ في اللغةِ، وتدبُّ من ثناياهُ الروحُ في الحرف.
إلا أنَّ سؤالًا لا يُغلَقُ أمامهُ بابٌ، وهو المتجسدُ في استفهامنا حولَ خفوتِ الشهرةِ النثريةِ للبردوني أمام شهرته في الشعر، على الرغم من أن تميزَّه في الفنين كان باديا وملحوظا؟!
والإجابةُ عن هذا متناميةٌ، والتأويلُ لا ينتهي، حيثُ ينطلقُ من تنوعِ الأزمنةِ، واختلاف ثقافةِ المتكلمينَ ومواقعهم، والرأيُ يقولُ: إنَّ الكتابةَ في أعمالِ البردوني النَّثريةِ كانت أصعبَ بكثيرٍ منَ الكتابةِ عنه في الشعر، حيث أعملَ النقدُ اشتغالاته في شعرالبردوني طويلا معرضًا بذلك عن نثره، فلم نقع على دراساتٍ أو مقالاتٍ تحليليةٍ ناقدةٍ فيه، وكأنَّ النَّقدَ قد وجدَ آليَّتهُ ومبتغاهُ في شعرهِ ، فكانَ أن سُقيَ من وزنٍ كانَ مزاجُهُ زنجبيلا.
في الورقة الرابعة او المحور الرابع تحدثت الشاعرة والناقدة زينب عبدربه الحداد عن الاستفهام في شعر البردوني: أستعرضت ما قاله، قائلة: ونحن نقفُ على منجزه الإبداعي وقفة تأملٍ، تأخذنا إلى استبطان عوالِمِ هذا الرجل وما الذي جعله علامةً فارقة إلى اليوم.
لأن الحديث يطول فسأتحدثُ ما استطعت _ عن ظاهرةٍ هي أكثر ما يميز شعره، ولعلها السمة الأبرز فيه… هي ظاهرة الاستفهام، حتى أن بعض النقاد أسموه (شاعر الأسئلة). والحقيقة أن الاستفهام بمفهومه البسيط هو طلب الإيضاح، أو استجلاب الفهم… فهل الاستفهام عند البردوني على هذا النحو؟ أم أنه انصرف لأغراض أخرى؟
كما تطرقت الحداد عن اغراض الشعر عند البردوني: الأغراض البلاغية الكامنة في أسلوبه ليست هي وحدها فقط الماثلة في إطار الخطاب الموجه من خلال الأسئلة؛ إنما هي وسيلة للتأثير على المتلقي، من خلال توجيهه توجيها تفاعليا ينصرف معه المتلقي للبحث عن أجوبة التساؤلات. وحتى إن وجدت الأجوبة في معرض النصِ فهو يستوقفه ليشاركه النظر فيها؛ ليأخذ القارئ موقفه هو أيضا، كما في قصيدة (بين الرجل والطريق):
يا براميلُ القـمامـات إلى
أين تمضين؟ إلى دور الثقافة
كلُّ برميلٍ إلى الدورِ؟ نعمْ
وإلى المقهى جواسيس الخلافة
ثم ماذا؟ ورصيفٌ مثقلٌ
برصيفٍ يحسب الصمتَ حَصافة
في المحور الخامس والأخير فكان للدكتورة خديجة المغنج استاذ مساعد الأدب والنقد بجامعة حجة (متعاقدة في جامعة اقليم سبأ: مارب)
فكانت ورقتها:
فيما يخص الذكرى التي نعيشها مع شاعرنا الباقي في ذاكرة الجميع وفي ذاكرة كل يمني وفي ذاكرة كل عربي بحضوره الشعري المتميز
أحب أن أشارككم في هذه الندوة تحت محور حداثة العنوان عند البردوني .
عادة أي شاعر يصنف إلى مدرسة معينة لكن الشاعر البردوني خرق هذه القاعدة، لن تستطيع أن تمسك له بطرف او انتماء لمدرسة ما، هو واقعي، وكلاسيكي، وهو مغاير إلى حد كبير جدا، اجتماعي، حداثي بكل معنى الكلمة رغم أن استخدامه للقالب الشعري التقليدي غالب عليه، لكن في هذه الورقة على عجالة يمكن أن نلاحظ هذه الحداثة التي يمتزج شعر البردوني من خلالها.
وجدا أن العنوان عند البردوني متميز ويشكل حداثة وغرابة وانحراف عن المتعارف عليه عند الشعراء، حتى أن الشاعر يصوغ العنوان حيث يقع في ذاكرة المتلقي على نحو مفاجئ، يكسر الواقعية، يكسر المعتاد.
الجميع يعرف ويسمع ويقرأ العناوين المتميزة تلك زمان بلا نوعية، كائنات الشوق الآخر، رواغ المصابيح، ترجمة رملية لأعراس الغبار، وجوه دخانية في مرايا الليل. ماذا توحي لك هذه العناوين جميعها! توحي بشاعر وتؤكد لك حقيقة هذا الشاعر المتمكن، هذا الشاعر الذي يطرق الجديد والحديث ويكسر المعتاد في لغته وفي تراكيب اللغة، لكن انظر جيدًا إلى صوغ هذه العناوين والعنوان كما تعلمون هو واحد من منافذ قراءة النص من خلال عنوانه رغم أن العنوان يصاغ في نهاية النص الأدبي.
البردوني رحمه الله ترك لنا نصوصًا لا تزال تقرأ حتى الآن قراءة نقدية متعددة، نصوص مفتوحة، عناوين يمكن أن تتجلى فيها شاعرية هذا الشاعر العملاق
بعد ذلك استمعنا للعديد من مداخلات المنضمين للندوة التي حضرها اكثر من 500 مستمع من معظم الدول العربية واسهم المتحدثون كثيرا بالتعقيب والحديث عن هذه الذكرى وعن البردوني الشاعر الحداثي الذي لن يتكرر فكانت أكثر المداخلات المتميزة هي للدكتورة الجزائرية آمنة بلعلى، وقد تحدثت حول البردوني وأكدت بأن البردوني لم يكن شاعرًا يمنيًا فحسب بل شاعرًا عربيًا وانسانيًا مثّل حالة إبداعية جميلة وحالة ابداعية مبتدعة في القصيدة العمودية المستحدثة.
وأكدت على أن البردوني من الشعراء الذين أكدوا بأن القصيدة العمودية باقية في الوقت الذي كان به دعاة الحداثة يعتقدون بأن القصيدة العمودية قد انتهى عهدها أو ينبغي أن تقتل كي تحيا قصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر.
وأردفت، البردوني وغيره من هؤلاء الشعراء هذه الثلة القليلة من الشعراء العرب المعاصرين الذين أكدوا بأن القصيدة العمودية باقية وأنها ليست نموذجًا وزنيًا أو إيقاعيًا يجب أن يستبدل بتفعيلة أو بدونها وإنما هو نموذج فكري ونموذج وجداني مرتبط بالقصيدة العربية بحد ذاتها، وقد أكد البردوني ذلك من خلال هذا الشعر ولكي يثبت هذه الحالة الجميلة والإبداعية للقصيدة العربية المستحدثة أو للعمودية الجديدة التي ابتدعها كان عليه أن يغير في نمط القصيدة العمودية من أجل أن يثبت ذلك وأنزل القصيدة العمودية من نموذجيتها إن صح التعبير أو من مطلقيتها ونخبويتها التي ارتبطت بالشعر التقليدي وبالتالي سقطت في نوع من التقليد، ومن خلال هذا التقليد اتهمت القصيدة أنها ليست ولّادة فأنزلها إلى الواقع وكتب القصيدة الواقعية التي تهتم بالموضوعات التي تهم الانسان اليمن والعربي وقضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبهذا الإنزال يكون قد وضع حجر الأساس لهذه القصيدة المستحدثة التي نراها اليوم عند العديد من الشعراء.
وكما تحدث الشاعر ياسين البكالي بمداخلته بالندوة: إن أقل ما يمكن أن نقدمه للشاعر العظيم بردونينا أن يسمى شارع باسمه وأن ينصب له نصبا تذكاريًا وأن تتواجد نصوصه في كل مناهج التعليم
وأن يتحول بيته المتهالك إلى متحف يحتوي كل مؤلفاته وأعمالها وجوائزه
تخلل الندوة العديد من المقطوعات الغنائية للمنشد الفنان صالح المزلم الذي اتحف الندوة بالعديد من المواويل للقصائد البردوني، كذلك تحدث عن البردوني وعن عظمته وشعره، وتخلل الندوة استماع لاغنية من أرض بلقيس لفنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي
هذا وفي ختام الندوة التي استمرت ثلاث ساعات نقلت الأستاذة عفاف ثابت تحيات إدارة المنتدى الريادي والشكر للجميع من الحاضرين الذين اسهموا بحضورهم في التذكير بالبردوني تزامنا مع ذكراه الرابعة والعشرين..