.ما بين المطر ورحي وسائد من الذهول . حين أسند نبضي
على فوضى الريح يفتح المطر الطريق إلى الغناء . لا أحمل
معي سوى إشارة من السياب .
ذاك المطر الذي يجري وحده خارج كل الفصول .
يفرد السياب الضوء لعيون عراقية فتمر الأقمار مذهولة مثلي
ما بين النخيل و شرفة القلب القريبة من باب الحب. هناك
ألتقي التراب يمشي في الناس يصطفي عبور النهر ممهورا
بإيقاع السماوات . وأقيم في نسغ الأساطير كما تشتهي فاتنة
أن ترهن القمر في منتصف الليل .
يضحك السياب من صحبه الواقفين على قداسة المطر؛
و نسوا أن البداية هي الخروج من وجود مشبوه بين الموت
والحياة . مازال السياب يقهقه كما المطر حين يدفع بالوجع
المقيم في مفاصيله إلى قيامة الأزل ليشوي عبره كل أنواع
البؤس . البؤس أن يفقد الشعر حرارة السؤال ؛وأن يقف
شريدا بين الصدى و عتمات الرغبة .
من رغبة الحياة ظل السياب يولد من موسيقى المطر . يفتت
اللغة إلى أقساط : قسط لليل حين يعمر الأرض بالنحيب ؛
وقسط للنهار حين يسري النهر الخالد في المعنى . وقسط
للفتنة الموغلة في التسارر .
كالضوء المتدفق كنت أكنس عباراتي من متلاشيات العقل؛
وأربت على كتف الحدس كمن يشعل للحلم طاقة الجنون .
مازلت أحلم أن أمد يدي لحوض الأساطير كي أعرف كيف
عبر السكون من زمن متحرك إلى كون تيبس على فيض
النور . وكيف أخيط من الغربة مساحة للرقص خارج مسافات
الجغرافيا .
في اللغة وحدها جاء السياب بوطنه الأثير بوجه طفلة
سومرية تقرأ رموز بابل بقلق لا ينتهي . بل إن الجرح الشعري
لن يكون إلا أنفاسا خالصة من روح السياب الممطرة دوما :
نخيلا و فراتا من ألق اللايقين …