ثلاثُ خطواتٍ بمسيرةِ مابينَ السماءِ والأرض، ألفُ مترٍ مضاعفة، وكثيرةً هي الأعذار، ومسيرةُ عامٍ فوقَ هوادجِ النوقِ في عُمقِ صحراءِ الدنيا الفانية، وبِئرُ ماءٍ لا ثانيَ له، ورغيفُ خبزٍ يتيم، هناك.. وحبّةُ بَلَحٍ واحدة، شقيقةٌ لها، وكُلُّ معوِّقاتِ الوجود… لكن ماذا… ؟؟
إنني رغمَ كُلِّ ذلك الفارِقِ الساحِقِ الماحِقِ اللاحِقِ الواثِقِ الباشِقِ إلا أنّني غريقٌ في غرامِ تِلكَ الطفلَةِ العشرينية.
أَجَل… بِكُلّ قِوايَ العقليةِ، القلبيةِ، العاطفيةِ، الحسيّةِ، الإنسانيةِ، البشريةِ، الشبابيةِ، إلّا أنّني أَعيْ ما أقولُ تماماً
معوِّقات كثيرةٌ، رغيفٌ يتيمٌ، حَبّةُ بَلَحٍ، بِئرٌ وحيدٌ، وكثيرةٌ هي سُبُلُ الردعِ إلا أنها هِيَ الأقرب.. أَجَل هِيَ الأقرب، لَقَد باتَ سوادُ العينِ بعيداً عن بياضِها، والوَريدُ بعيداً عن نبضِ القلبِ، والدِّماءُ منفيَّةٌ من وطنِ الشرايينِ إلا أنّها أقربُ مِن القرابَةِ والقُربِ بِحَدِّ ذاتِه.
أُعلِنُ اكتِفاءَ دويلَتي المتواضِعةَ مِن حَبَّةِ بَلَحٍ واحدةٍ، وشُربَةِ ماءّ من يَدِها طيلَةَ سَفَري مُنذُ آلافِ السنين، لَمْ أظمأ بعدَ ذلكَ ظمأةَ عاشِقٍ، وَلَمْ تُقرقِرَ بَطني جوعاً بعدَ تِلكَ البَلَحَة، لَقَد أعلَنَ جَسَدي الروحانيّ نَفَي كُلِّ ما أُوتِيَ من لذيذِ الكونِ بعدَ تَلكَ السَيّدَةِ التي أدمنتُها، لا… لا… إنّني أتعافى مِنَ الإدمانِ في جرعاتِ طبيبِ المُدمنين، لَقَد بَلَغتُ مِنها ما بَلَغَ الليلُ مِن تَهجُّدِ النَجمِ، وَصَيَّرني الغرامُ معها ما صَيَّرَ القمرَ بدروبِ التائهينَ في كمالِهِ، إنَّهُ التصوّفُ بالمعبودِ الهانئِ، القارئِ، المتهجِّد، المهلّلِ، الممجّدِ، المكبّرِ، المعظّمِ، لكينونَةِ الكونِ والنفسِ البشريَّةِ مِنَ العِشقِ والهَوَى.
الآنَ ومن فوقِ منصَّةِ القدرِ المرسومَةِ بنبضِ يراعِ قلبٍ عاشِقٍ، وعِندَ مايكروفونِ الخُلودِ، وفوقَ منضَدَةِ الوجودِ، وبصوتٍ ملائِكيٍّ مَبحوحٍ خَشيَةَ التَضَرُّعِ، وَبِتَسليطِ كاميراتٍ ملائكيّةٍ مراقبة لا يمحوها الكترونٌ ولا فيروسُ برمجيّاتٍ، أُعلِنُ، بِ اسمي، أنا، وبالإجماعِ كامِلاً مِنَ الأعضاءِ الرئيسيّةِ ليكنونَةِ البَشَر،
الروحُ المُبجّلَةُ الخالِدَةُ
القلبُ النابِضُ الحالِمُ
المقلةُ الساهِرَةُ الناطِقَةُ
الأنامِلُ المراسلةُ المخاطَبَةُ
الوتينُ القابِعُ بالقلبِ الباعِثُ للحياةِ
النبضُ المركزيُّ الدافِقُ سُبُلَ الحياةِ
الدّماءُ القائِمَةُ بعناقِ العروقِ بِكُلِّ صلابَةٍ
وَكُلُّ كُلّي… أُعلِنُ خُلُودي وانبِلاجِي واندِماجِي، واكتِفائِي رسميَّاً من عِشقٍ أبديٍّ يُكلّلهُ القَدَرُ من ماشَاء مِن تقاديرِهِ المُقدَّرة ِقراراً سماويّاً وشرعاً سرمديّاً لا رَجعةَ فيهِ، ولا يَحِقُ الطعنُ فيه، اشهدوا، ورَبُّ السماءِ خَيرُكُم.
لا بأسَ بالموتِ إن كُنتُ صائِماً فوقَ بَلَحِ لقائِها، ولا بأسَ بالعيشِ في لَحدٍ إن كُنتُ جائِعاً من وَصلِ روحِها، وَلَحبَّذا العِشقُ الهائِم بخلودِ الأرواحِ فوقَ عشقِ الأجسادِ، هُنا أعلنتُ، وَقَرّرتُ، ونطُقتُ، وكتبتُ، وبحفظِ الله ختمتُ.