حركت المفتاح، نحو اليمين، ثم تركته
لمسات يدي عليه، وهو الآن يتحرك في الاتجاه الآخر، تحمر وجنتيه، ويصدر الموسيقا!
على المخمل، شجرة مكسية بالثلج، تدور مع الصوت، تلتف جذورها مدغدغة بشرة الأرض، ويشكل المشهد ضحكة طويلة.
المرآة صغيرة، لكنها تكفيني، أتمعن فيها،
أرى نصف وجهي، النصف الذي لا تراه “باقي المرايا” هو القسم الخفي الذي لا يظهر إلا مع الصوت،
أغلق العلبة، يبرد المفتاح، تنام الشجرة، تظلم المرآة، يغور الصوت في الداخل، أخبئ المدينة في خزانتي
وأبقى خارجا، في العلبة الأم، حيث أنا الثلج والشجرة،
يغلفني الفضاء بقماشه، دون أن أعلم من سيضع أصابعه على المفتاح، من سيفتح البيت ويسمع همسي؟!
أنت الذي استطعت أن تدب الحياة في تفاصيلي برفقك وحبك وقربك، حررتني من أغلال صمتي، من عقدي المجتمعة في حنجرتي، استطعت أن تجعلني مجدداً طفلة مرحة لا تتوقف عن الثرثرة والبوح بأحلى الكلمات؛ وكأنها حصيلة سكر مذاب، لا حصيلة غصات متعددة متشبثة على جدران حنجرتي!
عرفت سبيلاً وطريقاً مضيئاً للحياة، وتأكدت حقاً أن النفق المظلم يليه ضوء عظيم، متأجج، متوهج، لقد عرفت كيف تختزل معاني الأوطان في قلب واحد، في عضلة صغيرة تعطي مالم تعطِه قلوب العالم مجتمعة، أتيت لي كما لو أنك قطرة مطر هبطت فجأة على فم صائم، بفارق أنني لم أزيح قدومك، لم أمقت مجيئك بل رحبت به بما شرع الله لي، رحبت بك حبيباً وأباً وزوجاً، رحبت بك على أنك موطني الجديد الذي لا تقبل بوصلتي أن تتجه لسواها، لا تقبل غيرك يا أغلى الأوطان والمواطن، يامسكني الأول والأخير.