حينَ يعودُ كُلٌّ منّا إلى نفسهِ، يتركُ في سِرهِ خبايا وندباتِ الزمانِ المُتفرعةِ، وحينما يَلمِسُ قلبه، يتفجرُ منه بركانٌ من الغضبِ، أم فيضانٌ من المشاعر؟ لا أحد يعلم كم سار الأمرُ بطبيعةِ حالهِ، هل بشكلٍ سيء أم رائع؟ كُلٌّ منهم صفقَ على إنجازاتٍ لا يرونَ متاعبها، وعلى نظراتٍ لم يعلم ماذا خبأت. كُلٌّ منهم كتمَ الحسد، والغلّ دون أن يعلم كم كلفَ حتى وصل إلى هُنا. لربما كانت كتابته مهربًا، آهٍ من واقعه، أو ربما كانت منجاةً له من الألم! أم كانت تلك لحظاتٌ من الأوجاعِ تختبئ بين أضلعهم الهشةِ تلك! لا أحد يعلمُ ماذا كلف الأمر.
أوراقُ الأحزانِ تُخيمُ على مساراتِ الفرحِ، ومازالت تستمرُ الأفراح دون ابتعادٍ عنها، ظانين أننا بتلك الابتسامات نمحو أوجاعًا لا يعلمُ بها سوى خالقها، وإنما بداخلنا يقينٌ تام أن وراء صمتنا هذا فرحٌ مُحتمٌ لا محالة.
ابتساماتٌ لا يُرى منها، إلا أنها صُنِعت بحبٍّ، وجاءت نتيجة انتصاراتٍ متتالية، لم يرَ أحدٌ ما كان وراء كواليس الانتصارات ماذا دفعنا، ومازالوا يظنونَ ذلك، وحتى وإن أتيت بهم ليعيشوا واقعكَ بذاته. سيقولون إنما أخفى عنا أفراحهِ لكيلا يُصاب بحسدنا وغِلنا هذا، من أين جاء بنجاحه؟ من أين جاء بقوتهِ ليواجه أحزانه، بفرحٍ راميًا بها بعرضِ الحائط، غير مُباليٍّ بما سيحدث؟ من أعطاه تلك القوة؟
إنما كانت صلاةٌ في آخرِ الليلِ بقلبٍ سليم، ودعواتُ أمٍ من داخلِ قلبٍ كريم، وهو رضا أبٍ عظيم، وإنها جميعها جاءت بفضل ربٍّ عظيم.
لم يرَ أحدٌ من أمسك يدك، من تركك، من ساعدك، من انتظر تقصيرك، ومن غفر زلتك. لم يرَ أحدٌ ما أحدث الياسمينُ بالجدرانِ التي أسندتهُ، كم تشققت وخرج منها الياسمين. من يرى أنه أثبت جذورهُ في قلبِ أرضٍ ثابتةٍ، راسخةٍ، أمسكتهُ بقوة، وآمنت به، لم يرَ ماذا صنع، وإنما رأى كلٌّ منهم جمال أوراقه، وروعة ألوانه. اشتم الجميعُ رائحتهُ العظيمة، فواحةً بين شوراعِ المدينة. كلٌّ منا رأى الجانب الذي أراد، لم يَذمَّ أحدٌ ياسمينَ الجدران.