إني غدوتُ على النوى متقلباً
مابين حرِّ الجمر والإِغراقِ
كالبحر بردُ الماء يغشى سطحَه
وتراه مسجوراً من الأعماق
لا الدمع يُبردُ حرٍَ نار مواجعي
أو نارُ قلبيَ جفَّفتْ أحداقي
أُمسي كما الملدوغ من ألم الجوى
ماثَمّ غيرُ الوصل من تِرياق
أو مَن به مسٌّ تخبَّطَه فما
نَفَعَ الطبيبُ وكَلَّ منه الراقي
فأنا بأرض الشام أشكو غربتي
وحبيب قلبيَ يشتكي بعراق
مَن لي برشفة صادئٍ تروي الظما
من ريق ذاك المبسم البرّاق
أو لحظة أطفي بها نار الهوى
مابين ذرف مدامع وعناق
في هدأة الليل البهيم سدوله
ستر لنا من أعين الطرّاق
حكم الزمان بأن يطولَ فراقُنا
ياويح قلبيَ لاتَ حينَ تَلاقٍ
هل كنتُ بِدعاً بالغرام لأُبتلى
بصروفه فضلاً عن العشاق
فغزا بياضُ الشيب سودَ ذوائبي
واسّاقطتْ مصفرّةً أوراقي
وذوى من التذكارغصني وانحنى
فالنوح شغلي والمرار مذاقي
وحميم دمعيَ مشربي في غصتي
قُوتي من الزقّوم والغَسّاق
والنفس تالفةٌ وروحي حَشرَجَتْ
وتكاد تبلغ في النشيج تراقي
والموت يغشاني بسكرةِ مُدنَفٍ
والتفَّ ساقُ منيَّتي بالسّاق
وذكرتُ أهلي والديارَ بحسرة
وبكيتُ أهلَ مودّتي ورفاقي
وكأنني صرتُ المُسجّى هامداً
أطرافُه سُترتْ ببيضِ رقاق
أيقنت أني شارب كأس الردى
ياليت لو كان الحبيب الساقي
أبكي وأحبسُ دمعةً حراقةً
ماكان ذرفُ الدمع من أخلاقي
صعب عليّ بأن أموت بغربتي
أسفا وماذرفت عليَّ مآقي
أهفو كطيرٍ والجناحُ مهيضةٌ
والدهر أحْكَمَ مَحبسي ووِثاقي
أشدو من القفص البغيض بحرقة
شتّان بين القيد والإطلاق
فأجيل طرفيَ ساهما فلعلّه
يلقى خيال الحِبّ في الآفاق
وأشم ريح الحِب تنعشني وقد
عبقت بأجنحة الصّبا الرقراق
وأحنُّ شوقاً للحمى ولأهله
فاقَ الحنينُ له حنينَ نِياقٍ
قدفارقتْ سُقبانها في لوعة
اكبادُها حرّى من الإشفاق
لوأن شُمَّ الراسياتِ تحمّلتْ
بعضَ الذي في ذا البعادِ أُلاقي
دُكّتْ وما اسطاعتْ لذلك حيلةً
وشَكتْ من الأثقالِ للخلاق
يارب إمّا ضاع عمريَ في النوى
ادركْ منً الصَبّ العليلِ الباقي
واجعل ثَرى وطني ضريحيَ
إن دنا
موتي وجُد بالوصل للمشتاقِ