ما بال دربي الذي قد كنت ارتاد
قد مسني منه إعياء واجهاد
مهدته نصف قرن غير مكترث
بما عليه أنا في الدهر معتاد
حتى إذا ذللت منه الفجاج هوت
علي من دونه بيض وأغماد
وبت أبصر غيري فيه منطلقا
وليس لي فيه إصدار وإيراد
ولم اجد صورتي فيه ولا أثري
كانه في حمى التوحيد إلحاد
غرست فيه أزاهيري واوردتي
فجاء يحصدها نذل وقواد
وغر زهر نجومي ليله سفها
فلا تبين وأفق القلب أعياد
وكل رابية منه مسجرة
حزنا وكل سماء فيه أرصاد
على جوانبه الألغام كامنة
تصطاد كل عزيز حين تصطاد
لم ألق موضع أمن في أزقته
فإن خطوت فغصن الحظ مياد
مالي وذرعي دربا قد تنكر لي
كما تنكر للأباء اولاد
كم جئته خلسة كي لا يرواغني
كما تقمص ثوب الزهد صياد
ويستدل على معناي من أثري
فليس تخفاه مني اليوم أبعاد
أتهمت فيه ولم ينفك يتهمني
وليس ينجدني في السير إنجاد
فقدت في الدرب دربي مثلما افتقدت
مكانها في بلاد العرب بغداد
وقيل : هذي دروب عن تجشمه
تغني وللمدلج الحيران إرشاد
فما لزومك دربا غير ذي رفه
ولا يلوح به بشر وإسعاد
كل الدروب إلى روما مؤدية
إن لم تقدك إلى روماك آحاد
اقصد سواه فأرض الله واسعة
ولم تضق بفتى ارض وآماد
فقلت : خلوا سبيلي لا أبا لكم
فليس يغني عن الميلاد ميلاد
هذا السبيل سبيلي وهو إرث أبي
وفيه من ذكرياتي الخضر أوراد
وإن تنكر لي أو بات ينكرني
فكل ما فيه لي عون وأجناد
وكل حبة رمل فيه شاهدة
لي بالعطاء إذا ما خان أشهاد
ما كل درب كدرب مهدته يدي
ولي إذا نؤت من ذكراه إمداد
إن ضاق بي فغدا لي فيه منطلق
رحب ويذكرني بالخير أحفاد