هَكَذَا يَنْصُبُ فِي سِرِّهِ..
شِبَاكًا مِنْ كُومِيديَا وَهْمِيَّةٍ،
وَتَسَلُّطٍ قَدِيمٍ مُتَهَرِّئٍ..
وَرِثَهُ عَنْ أَبِيهِ.
وَحْدَهُ بِإِبْهَامٍ وَسَبَّابَةٍ..
يَسْنِدُ إِلَيْهِمَا وَجْهَهُ المُمْتَلِئَ الكَئِيبَ..
كَلَوْحَةِ رَسَّامٍ فَاشِلٍ،
وَتَقْطِيبَةٍ تَتَنَازَعُهَا أَشْبَاحُ الكُتُبِ الصَّفْرَاءِ.
هَكَذَا…
بِمَسَاحِيقَ مُلَوَّنَةٍ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلسَّاسَةِ،
وَالدَّاعِرَاتِ،
وَمُهَرِّجِي السُّلْطَانِ،
وَالبَصَّاصِينَ.
وَحْدَهُ يَصْطَادُ العَفَارِيتَ،
وَيُوَزِّعُ أَدْوَارَهَا،
سَتَبْدُو أَكْثَرَ شَرَاسَةً،
وَأَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى إِثَارَةِ الفَزَعِ.
وَوَحْدَهُ أَيْضًا يَعْرِفُ جَيِّدًا..
كَيْفَ يَخْتَارُ مَوَاقِعَهُ فِي الشَّوَارِعِ،
وَالمَيَادِينِ العَامَّةِ،
بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مُرَاقَبَةُ المَارِّينَ،
وَتَخْوِيفُ العَرَبَاتِ،
وَتَتَبُّعُ أَجْسَامٍ يَمْلَؤُهَا الفَرَاغُ وَالضَّجِيجِ،
وَاسْتِنْزَافُ الهَوَاءِ.
هَكَذَا يَبْدُو مُنْذُ سِنِينَ،
مُحْتَشِدًا بِنَشْوَةِ السُّلْطَةِ وَالقَهْرِ،
وَخَوْفِهِ الفِطْرِيِّ..
مِنْ مُحَاوَلَاتِ اغْتِيَالٍ..
يُدَبِّرُهَا رِجَالُهُ المُخْلِصُونَ،
لِأَسْبَابٍ تَتَعَلَّقُ بِقِيَاسَاتِ الرَّأْيِ العَامِّ.
يُطَارِدُنَا فِي المَكَاتِبِ العُمُومِيَّةِ،
وَمَحَطَّاتِ المِتْرُو،
وَالمَسَارِحِ،
وَدُورِ السِّينِمَا،
وَأَمَاكِنِ العِبَادَةِ،
وَغُرَفِ النَّوْمِ.
يَهْزِمُنَا عَلَى صَفَحَاتِ الجَرَائِدِ اليَوْمِيَّةِ،
وَفِي مُبَارَيَاتِ الكُرَةِ،
وَحَلْبَاتِ اللَّذَّةِ السِّرِّيَّةِ،
نَهْزِمُهُ (فَقَطْ) فِي كَوَابِيسِهِ،
وَعَلَى سَبِيلِ المَجَازِ..
نَبْكِي فِي جِنَازَتِهِ المَهِيبَةِ،
وَنَكْتُبُ فِي رِثَائِهِ شِعْرًا رَكِيكًا.
لَا لِشَيْءٍ..
إِلَّا لِاعْتِيَادِ الحُزْنِ..
حَتَّى عَلَى أَشْيَائِنَا التَّافِهَةِ.
نَحْنُ مَوْتَى طَيِّبُونَ ـ وَلَا شَكَّ ـ
نَسْمَعُ الكَلَامَ،
وَنَشْرَبُ اللَّبَنَ وَنَنَامُ مُبَكِّرًا،
وَنَبْكِي فِي أَوْقَاتِنَا الحَمِيمَةِ،
نَعْرِفُ أَنَّنَا مِنْ سُلَالَةٍ مُنْقَرِضَةٍ،
وَأَنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْنَا هَكَذَا.
فِي كُتَّابِ القَرْيَةِ..
تَعَلَّمْنَا الطَّاعَةَ العَمْيَاءَ،
وَعِنْدَمَا كَبُرْنَا..
أَدْمَنَّا طَاعَةَ العَنْكَبُوتِ الأَعْمَى،
مُتَنَاسِينَ أَنَّ بَيْتَهُ هُوَ أَوْهَنُ البُيُوتِ.
وَعِنْدَمَا دَهَمَتْهُ نَسْمَةُ هَوَاءٍ..
ظَلَلْنَا نَبْكِي..
كَأَرْمَلَةٍ لَا تَثِقُ أَنَّ رَجُلًا..
يُمْكِنُ أَنْ يَطْرُقَ بَابَهَا مِنْ جَدِيدٍ.