أنا من ترونَ الآنْ
لا وجهانِ لي ولي خمسونَ عاماً في الحياةِ
ولم أزلْ أمشي على جنبِ الطريقِ على وصيةِ والدي
وعلى خطاهُ
لكي أظلّ مُكللاً بالسّتر محمياً من البرصِ الدّميمِ
مهيأً للنوم في بيتي
ومحفوظاً بعين الله
محبوباً من الجيرانْ
لي رئة من النعناعِ
لي صوتٌ كما للعطرِ صوتٌ ناعمٌ
ويدايَ من صوفٍ بدائيّ
ووجهي كاملُ التدوير مثل رغيفنا المدعوم
عينيَ لا ترى إلاّ طريقاً واحداً رسموه لي
كي يستريح حذائيَ المصنوعُ من جلد السّكوتِ
ونعلِ ورد الأقحوانْ
لي أخوةٌ
لم يسجدوا يوماً بحلميَ
وادّعوا حبّي
ولم يتسابقوا ليلاً لحِضن أبي كي يكسِروني
لم يسرقوا أبداً قميصيَ كي يجيء بآخر المشوارِ
مُبتلاًّ بلعنةِ ذئبهم
وملطّخاً بدمٍ جبان
لي سبعُ خالاتٍ
وخالٌ صالحٌ للطّهي
وامرأةٌ لهُ تلدُ الرّجال كقطّةٍ تركيّةٍ
لي أصدقاء يفضّلون الصّمتَ مثلي
وأعمامٌ تساقطَ شعرُهم قبلي
على أمل الخلودْ
لي أربعون سفينةً لكنني لا بحرَ لي ..
كلُّ النوافذ لي
لكنّها مفتوحةٌ ضدّي..
لي نعجتانِ .. وخمسُ جاراتٍ سمانْ
لا أقرأُ التاريخَ
أقرأُ ما تيسّر من عيون المُتعبينَ وجزءَ عمَّ
وبعضَ أشعار الفرزدقِ والتعاويذ القديمة
كي أُحصّنَ ناقتي العرجاءَ من حسدِ الكلابِ
وأقرأُ القصص التي تحكي عن الأبراجِ
والحظِّ الذي سيجيئ يوماً
أحدبَ الكتفين لكن
بعد أن فات الأوانْ
قالت نسوةٌ للثلجِ حينَ ولدتُ
خذ فمهُ
لكي لا يهطلَ المطرُ الرخيصُ
وخُذ يديهِ
فربّما تكفيهِ ساقٌ للكلامِ وربّما
من حُسنِ طالعِ أمّهِ أن تختفي شفتاهُ فالقُبلاتُ موجعةٌ لهُ ..
سيكونُ _ قالت جدّتي _ سيكون أكثرَ من ستكرههُ النساءُ
ودايةُ الحيِّ العتيقةِ أيّدتْ
ورمتْ بحبلِ جنوني السُّري في بطن القصيدةِ
حيثُ كان المُتعبونَ
وصانعُ الأحزان كانْ
لا أشربُ الخمر الرّديئةَ إنّما
أجترُّ نشوةَ رأسيَ العالي من الشُّرفاتِ
حين تُنقّطُ الأحلامَ من وجعِ الصّبايا الشّارباتِ
قصائد الحبِّ القديمةِ قهوةً خجلى
ومن الأصابعِ وهي تمسحُ في الصّباحِ عن السّتائر
شوقها للغائبينَ
من النّعاسِ العاريَ الكتفينِ يُطلِقُ ساقهُ للنومِ
من رمشِ الحديقةِ وهي تبتلعُ النّدى
ومن الخلاخيلِ التي كذبت على الساقينِ وهي تُقنِعُها
بأنَّ رنّتها اتِّزانْ
آخرُ ما تبقّى من سُعالِ الطّيبينَ
وهم يُعدّونَ المواقدَ للصّباحاتِ التي تستقبلُ البرد الشّهيَ بنشوةٍ
يتحاورون مع المآذنِ
وهي تخلعُ نومها فجراً بخشخشةٍ عجوز ..
يتسامرون مع الصّفير
ينزُّ من بابٍ تعيثُ به رياحُ العُمرِ
مع ديكٍ يُصرُّ بأنهُ الأقوى برغم تهدُّلِ الكتفينِ
مع حنفيةٍ ملّت من التسبيحِ
وهي تُنقِّطُ الماءَ المُملَّ بقلبِ ابريق الوضوء
هذا أنا ..
لي مثلما لكم ابتسامةُ عاشقٍ
قلبٌ تكسّرَ من هديلِ الشّعرِ
وامرأةٌ تعدُّ لي العشاء لتتقي نزقي
ولي ورقي المُخبّأُ في مكانٍ ما
ولي أحلامُ تافهةٌ سأشطُبُها ..
ولي ولدانْ