حديثُ العنقاء/بقلم:الشاعر خلف دلف الحديثي

كفاني أيّها الألمُ الجَسيمُ
بأنّي في دِما أهْلي أعُومُ

وأنّي في صُراخاتِ الثّكالى
أتوهُ وَيَشتكي حالي الهشيمُ

على أنّي طريدٌ للمآسي
وللثّوراتِ مَشلولاً أقومُ

رقصْتُ على جراحي ربْعَ قرْنٍ
وفي وَجَعي إلى وَجَعي أُدِيمُ

وإنّي مُثخَنٌ بنزيفِ روحي
وَعَزْمي فوق ما أبْغي يَرومُ

أنا وحدي أشيلُ سنينَ يُتمي
ويجرحُني بسكّيني الأثيمُ

وَحَبْواً جئْتُ منْ مدُنِ التّلاشي
ليَحْضنَني بواديهِ الوُجُومُ

أمامي لا أرى إلاي صوتاً
وخلفي في مفازاتي الجَحيمُ

فأينَ أسيرُ والحُمّى اشْتعالٌ
وبابُ الصوْتِ ترفسُهُ الهُمومُ

أجاهدُ حاسِراً صدري لسيفي
ودونَ خواصري الطّعْنُ الظّلومُ

كفى إنّي أقومُ ولا أراني
وظلّي فوقَ ظلّي يَسْتقيمُ

وإنّي تذبحُ الأشواقُ طيفي
وَيَسْحَقُني بمنجلِهِ الغَريمُ

حَضاراتٌ أبيحَتْ واسْتُبيحَتْ
وقدْ طاحَتْ لِهاويتي التّخُوم

وإنّي فيكَ تيّهْتُ اتجاهي
وإنّي فيكَ مجنوناً أهيمُ

وغيرُكَ لا أرى بلداً عزيزاً
ورغمَ الموْتِ في مَوْتي أُقيمُ

وإنّي كلُّ ما أدريهِ أنّي
يَباسٌ فيهِ تزدَحِمُ السُّمُومُ

تُغَلّفُ ليلَنا الأحزانُ حتّى
على الأبوابِ تنكَسِرُ الكُرومُ

وإنّكَ أيّها الوطنُ المُفدّى
على جنبيْكَ تَشْتجرُ الكُلومُ

عظيمٌ لا أرى إلا عظيماً
ودونَكَ لا أرى شيئاً يَدومُ

تُعاطيكَ القصائدُ منْ نَداها
فتَسْكرُ في روابيكَ الغُيومُ

سعيْتَ إلى الصّعائبِ خَطوَ فادٍ
ودارَتْ حوْلَ مغزاكَ النّجُومُ

رفضْتَ يَسوقُ ركبَكَ في البراري
غُرابٌ والدّجى ثوْبٌ بَهيمُ

وسرْتَ على جراحِكَ باقتدارٍ
ودونَكَ أذرعُ الموتى تحُومُ

تُخاصِمُكَ الخطوبُ وأنتَ فرْدٌ
وقدْ كَثرَتْ بميتَتِكَ الخُصومُ

وأهلُكَ أطْعَموا الغازينَ خُبْزاً
وصاحَ بمعقلِ الآهاتِ بُومُ

وَطُوّرَتِ المنافي في المنافي
فصَاحبَنا بها الوجَعُ الأليمُ

تلبّسَني هواكَ فكنْتَ صوْتاً
يُنازِعُني على شَوْقي النّسيمُ

وإنّي كلّما حاولْتُ أنسى
يَقصّ شجونَهُ الحبُّ القديمُ

وأسْمعُ تمتماتِ الأمْسِ صبّاً
بهِ اشتبكَتْ بقسْوَتِها الرّسُومُ

عرَفْتُكَ أنْتَ وحدَكَ حيْثُ سِرْنا
وأنّكَ وحْدَكَ الوطنُ العَظيمُ

وأنّكَ صوْتُ روحي حينَ أحكي
وأنّكَ مَنْ لهُ عُمري أصُومُ

فأخرجُ منْ زُحامِ الماءِ أشْكو
وقلبي في فضاءاتي نَدِيمُ

فلا الفانوسُ يُشْعِلُ لي دروبي
وَمِحْرابي بأذكاري عَقِيمُ

وَتَصْفَعُني كفوفٌ كلّ ليلٍ
وَيَمْنَعُني منَ الزّادِ اللئيمُ

وَتُرْهِقُني بزخرفِها حياةٌ
وَيَزْجُرُني بها الملْحُ الجَهُومُ

أنا الطّفلُ الغريبُ نسيْتُ شَكلي
وأذْرَتْني بِمَسراها السَّمُومُ

لساني نازفٌ يَكْويهِ وَيْلُ
وأتقنَتِ الحريقَ بهِ العُمُومُ

خذِ الأوجاعَ عنْ شُطآنِ قلبي
ليُزْهِرَ بينَ أضلاعي النّعِيمُ

وَخُذني سوفَ أبرأُ منْ جنوني
ولي هذا العراقُ المُسْتديمُ

فلنْ تَتَبرأَ الكلماتُ منّي
وسوْفَ تَزُقّني السّرَّ العُلومُ

أنا جذعُ العوادي نخْلُ صَبر
سيحملُ درسَهُ لغدي الرّقِيمُ

بلى أسمو ويسمو كلّ فرْعٍ
وفي كفيّ تُبْتَكرُ الخُتومُ

أنا ركَعَتْ بعزّتِها رماحٌ
ببابي وانتهى شَرّ مُقِيمُ

أنا السّورُ المنيعُ وإنْ تَداعى
وداستْهُ معَ الأهلينَ رُومُ

أنا العنقاءُ أنهضُ منْك رمادي
وإنْ صُفّتْ على الطّرُقِ الجُسومُ

عراقٌ في يدي التّاريخُ صلّى
ستلقاني ومنْ مَوْتي أقومُ

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!