أشَاقَكَ الليلُ أمْ أَسْرَى بِكَ الشّجَنُ
ياغائباً أبْحَرَتْ مِنْ عُمْقِكَ السُّفُنُ
أيقظتَ شَجْوَ القَوَافِي منْ مَخَادعِهَا
وكلَّمَا قلتَ تَغْفُو خانَكَ الوَسَنُ
ماذا تَرَى في عيونِ الليلِ تسأله
ُ عَنْ ذكرياتٍ مضتْ قَفّىْ بِهَا الزَمَنُ
هَا أنتَ مِنْ بَلَدٍ تَمضِي إلى بلدٍ
أخرى وقد سَئمتْ مِنْ بُؤسِكَ المُدنُ
فَهَل وجَدتَ سَماءً كُنْتَ تَنْشُدُهَا
زرقاءَ يزهو بِهَا الإنسانُ والوَطَنُ
وعن ديارٍ بِنُورِ العَدلِ قَدْ رَحُبَتْ
أرجاؤها واختفتْ مِنْ أفْقِهَا الفِتَنُ
ما أبْعَدَ الوَصْل عَنْ تِلكَ الدّيَارِ ومَا
أدْجَى لِيَالِيكَ لا إلفٌ ولا سكنُ
ها أَنْتَ تَبْحَثُ عَنْ حِبرٍ لمبكيةٍ
أُخْرى وَقَدْ هَرِمَتْ مِنْ حُزنِها اليَمَنُ
في هَدأةِ الليلِ إذْ بَثّتْ نَسَائِمُه
حُزنَ البيوتِ وبَاحتْ بالأسَى الدّجَنُ
ألمْ تَزَلْ تَرقُبُ الأقمَارَ في شَغَفٍ
كنازحٍ لَمْ تَغِبْ عَنْ طَرفهِ عَدَنُ
تلوحُ مِنْ خلفِ هَذَا الرملِ أزمِنَةٌ
ولّتْ وَكَم طابَ فيها الأُنْسُ والدّدَنُ
أينَ القصورُ التي كانتْ محصّنَةً
يطوفُ من حَولِها الحُرّاس ُوالسَّدَنُ
تَحُومُ في روضِهَا الأطيَارُ صَادِحَةً
وفي شَذاهَا يَهيمُ الجِذعُ والفَنَنُ
أضحَتْ بِهَا الرّيحُ تَلهُو وَهْيَ خَاويةٌ
وَقَد أَقَامَ عَلَى أنقَاضِهَا الدّرَنُ
هذا هَوَ الصَّرحُ يَا بلقِيسُ كيفَ لها
ألّا تَنُوحَ عَلَى أطلَالِهَا الدِّمَنُ
هذا هو الصَّرحُ والآمالُ واقِفَةٌ
فَكَيفَ يَنسَلُّ مِنْ أضلَاعِنَا الوَهَنُ
تَعَاقَبَتْ حِقَبٌ وَ الأرضُ مُقفِرَةٌ
مَا زَادَ إلَّا الأَسَى والغِلُّ والدّخَنُ
كُنَّا أُولي قوّة واليومَ ليس لنا
في هذهِ الأرضِ لا خيلٌ وَلا رَسَنُ
قالتْ وفي صُوتِهَا حُزنٌ تخبّئهُ
“تَجري الرِّياحُ بِمَا لا تَشتَهي السّفنُ”