ما عدتُ أذكر كيف ضاعَ رفيقي
في رحلةِ الآظعان خلفَ بروقِ
هذي التفاصيل الصغيرة لم تزل
محفورةً منها تطيبُ حروقي
وخزنتُ في كلِّ المشاهد لهفتي
كبخار ماءٍ في فم الابريقِ
الناظمون الشعرَ يقصرُ باعهم
عن صورةٍ داخت من التحديقِ
شعراءُ نظمٍ قد تصاغر حجمهم
وقصيدةُ الآبداع ومضُ بريقِ
يتهافتونَ على العروضِ بفرحةٍ
وقصيدهم حشوٌ بلا تنسيقِ
والشعرُ أنفاسُ القصيدة ترتقي
كالصقرِ يعلو لحظةَ التحليقِ
أتلمسُ المعنى وأبحثُ غائباً
عن شطرةٍ داست ترابَ طريقي
وأذوبُ في الألفاظِ أعبرُ روحها
بتمازجٍ كالثلجِ والبطريقِ
لم يفهموا معنىً لصورةِ شاعرٍ
بخلوا على الإبداعِ بالتصفيقِ
وقصائدُ النظمِ الضعيفِ أحسُّها
كقبيحةِ في ثوبها المشقوقِ
كيف الليالي أمعنت في نأيها
شالت ظعوني ليلةَ التشريقِ
فتداخلت صورُ البلاغة كلها
خافَ الجمالِ وفوقَ ظهرِ النّوقِ
يبكينَ في طللٍ خلا من أهلهِ
ويذبن شوقاً في مرورِ السوقِ
الشعرُ فلسفةُ الحياةِ بأسرها
أشعلتُ في اللاوعي جمرَ حريقي
ماذا أعبرُ والتراثُ يذوبُ في روحي
يبرعمُ لحظةَ التوريقِ
والملهمون أذوبُ في أطيافهم
وأسدُّ من ذاك الزمانِ شقوقي
أتحسس الرمل البعيد بشعرهم
وأظلُ أشعر نبضهم بعروقي
رحلوا على الأظعانِ كل حياتهم
وأنا قضيتُ أهيم خلفَ بروقي
أتتبعُ الاثار أقرأ حسهم
وحنينهم في خاطري المسروقِ
حتى تعبت من الترحل خلفهم
نثروا الرؤى كنثارةِ المسحوقِ
في رقدتي ليلاً رأيتُ مرورهم
فوق الرمال بلهفة المعشوقِ
وسمعتُ صوت حِدائهم ورُغائِهم
فاستيقظي يا روحهم وأفيقي
نثروا جنون الشعر فوق قصيدتي
فتناثرت في لفظها المسيوقِ
فغدوتُ لا أصحو بغير قصيدةٍ
مسكونةٍ بالحسن والتنميقِ
أرواحهم رغم البعادِ تسربت
فتألقت روحي بغيرِ غبوقِ
أنفاسهم في الليل تلهثُ حسرةً
لرحيلهم والماءُ غصَّ بريقي
من أين تاتي بالفرزدقِ شاعراً
صاغَ الحياة بأفخم المنطوقِ
وجريرُ يحبو حين ينظمُ دمعةُ
يخزي بها الرَّاعي بلفظِ حريقِ
بنقائض الاشعارِ يبدع حسهم
عاشوا الحياة بلذةٍ ومروقِ
والاخطلُ الفنان ينزلُ دائماً
ليذوقَ فيها قهوةَ الرّاووقِ