صوتها ضمة برق فوق نيسان/شعر: شوقي بزيع (لبنان)

(إلى فيروز)

.….

ليس صوتاً،
بل نهارٌ مشمسٌ بين شتاءين
وأنصاف بحيراتٍ
وشلال خواتمْ
هو ما يجعلنا نبكي على ما لم يضِع بعد
وما يجعل من قطعة موسيقى
أكاليل زهور
وشموعاً ومآتمْ
كلما انساب تراءت في مدى الأفق شبابيك فلسطين
وأشجار معراةٍ
وخيطانٌ من النسيان
ترفو ما تبقى من حرير الأندلسْ
لتغني ينبغي أن نوقظ الموتى من النوم،
وأن نطلق سهماً من عصافير على الشمس
وأن نرفق بالفجر تراتيل
وأعياداً جديدة
لتغني ينبغي أن يحكم الأزرق في الأرض،
وأن نشتق من مملكة الآلام
عشرين مسيحاً
وقياماتٍ
وأطفالاً ينامون على شرفة آحادٍ بعيدةْ
لتغني ينبغي أن يزهر اللوز على قرميد بيروت،
وأن تكتسي الصحراء بالثلجِ
والفضة بالدمع
وأن نعتصر الأجراس من ثديِ الكنائسْ.
أي فجرٍ يجعل العالم نهراً من أناجيل
وذكرى شهرياراتٍ
وترجيع غناء؟
لكأن الكون ممحاةٌ لما تختطهُ حنجرةٌ
مصنوعةٌ من عسل اللوعة
والماس الذي يقطر أجراساً ودفلى
ودبابيس نساء…
لكأن الشرق إذ تنشد مهدٌ أبدي الموج
محمولٌ على قطرة ماءْ..
صوتها الأشجار منظوراً إليها
من قطار هارب كالعمر
والأرض محلوماً بها من كوكبٍ أعمى
يغني دونما نهر على درب السماءْ
صوتها مئذنةٌ تركض في سهلٍ
وحبلٌ من ضبابٍ
يتدلى من وصايا الأنبياء..
صوتها العشب الذي يوطأ بالأرواح
والماء الذي يرشح من حزن التماثيل
ومما يتبقى من غبار النيل
في جفن المقطم
صوتها ضمة برق فوق نيسان
بقايا فرسٍ تصهل في مذبحةٍ مرتْ
رنين الشمس في البلور
غيمٌ أحمر الأزهار
يهمي كمراثي زينبٍ فوق محرمْ..
صوتها هندسة اللون
خطوطٌ تنحني في قبة الصخرةِ
كيما تلمس الروح
ومعموديةٌ أخرى لأردن الطفولاتِ
التي تقطرُ من أهدابِ مريمْ..
صوتها شعبٌ من القتلى
وكفُ امرأةٍ واقفةٍ في القرنة السوداء
كي ترثي بلاداً غربت في سطر دم..
صوتها هبَّةُ رمان على صيدا
وسيفٌ أرجوانيٌ على صور
وشمسٌ أجهشت فوق مخيمْ..
صوتها طيف نبيٍ جن في بُردتهِ الوحي
وفاضتْ روحه نخلاً وجناتٍ
فلما أنشدت صلى على الدنيا وسلمْ..
صوتها دفقةُ ناياتٍ على بادية الشام
وأمطارٌ على يثرب لم تحدث
وتسبيح ثرياتٍ على أرصفةٍ دون مصلين
وترجيعٌ حليبي لماء الرغبة المفطوم
أو قطعة ضوءٍ
فوق ليلٍ يتهدمْ..
حين ينساب ترى
أشياء بيضاء،
كما لو أنها تولد للتو
ولا يبقى من الأجساد
إلا شهوةٌ تصفو وماءٌ يتلعثمْ
بهدوءٍ يمخر الصمت،
وعيدانٍ من الهمس إلى الطوفان،
شعبياً كقداسٍ
وسرياً كصحراءٍ بلا رملٍ
ومجنوناً كصدر امرأةٍ تركض تحت العاصفةْ..
كم إلهاً ينبغي أن يسند الأرض إذا غنتْ
لكي نرتجل الصرخة
من معصيةٍ أو رعشة أو قبلةٍ مختطفةْ؟
لا سماءٌ بعد كي نعلو
لا وقت لكي نصنع من سجادة الإثم قباباً وشحاريرَ
ونبني وطناً لن نعرفه.
أين نلقي بمراسينا إذن؟
أين يمضي الصوت فينا؟
هل يرينا الروح في منبعها الأول
أم يصحبنا نحو عراء الموت كيما نتلاشى فيه
هل نحن مرايا الصوت أم اصداؤه المرتجفة
لم نعد من صوتها كي نصفه!

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!