سهِرَتْ وكيفَ يحبُّ من لا يسهرُ؟!
والحزنُ أطولُ والمسافةُ أقصرُ
سبحانَ من يهدي الكفيفَ بنورهِ
حتى يرى ما لا يراهُ المُبصِرُ!
يا دفترَ الأحزانِ كفكفْ دمعَها
فلطالما يحوي المدامعَ دفترُ
الشايُ بالنعناعِ يشربُ ليلها
مُــرٌّ، ولو حَلّى المرارةَ سُكَّرِ
ليلٌ، ونافذةٌ، ووردٌ يابسٌ
ضوءٌ بموسيقى الحنينِ معطَّرُ
لا بأسَ لو تبكي، البكاءُ يريحها
أقصى التعاسةِ غيمةٌ لا تمطرُ
تحكى إلى المِرآةِ تمسح دمعةً
سقطت، ولكنْ دمعتينِ ستقطرُ
وخمارُها الليليُّ يفشي سرها
ماذا ستكتمُ والخمارُ المخبرُ؟!
لكن إذا غدتِ الهمومُ فضيحةٌ
لم يبقَ شيءٌ بعدَ ذلكَ يُسْتَرُ
كثرت وصايا الصبرِ، كلُّ مُرّفِّهٍ
يوصي الذين تهدموا أن يصبروا
هي حينما قال الطبيبُ لها: صفي
ما تشعرينَ، تنهدَّت: لا أشعرُ
ماذا تقولُ لهُ؟ الحنينُ أصابها؟
والكشفُ يا مرضى الحنينِ مبَكِّرُ
همست لمن دخلَ العيادةَ بعدها:
أرأيتَ شخصًا في الجوانحِ يُقبرُ؟
قل للرياضياتِ: جمعكِ خاطئٌ
أنا والمسافرُ واحدُ لا أكثرُ
كنا معًا في الفصلِ يكتبُ واجبي
وأخطُّ واجبهُ ولا نتذمرُ
في حصةٍ للرسمِ يرسمُ ضحكتي
وبحصةِ التعبيرِ عنهُ أعبِّرُ
لما رأى الأستاذُ يومًا خطنا
أثنى عليه وقالَ: خطٌّ مُبهِرُ
مذ كانَ طفلًا كانَ طفلًا بارعًا
زملاؤنا كبروا ولم يكُ يكبرُ
طفلٌ بأفكارِ الرجالِ مشى معي
للحلمِ يقبضُ راحتيَّ ويعبرُ
العابرونَ حياتنا لم يمكثوا
إلا قليلًا في المدى وتغيروا
مُتَكَرَّرونَ تشابهت أصواتهم
والشاعرُ السَّلميُّ لا يَتكَرَّرُ
يمشي بذاكرةِ الربيعِ سحابةً
تروي بساتينَ الذين تصحَّروا
ماذا أقولُ لمن يواسي خنجرًا
بجراحه ليعيشَ ذاكَ الخنجرُ؟
لم يخجلِ الحطَّابُ من أشجارهِ
وهي التي تحنو عليهِ وتحذرُ
ما أقول لمن يخافُ عليَّ من
خوفي عليهِ ومن أنامُ ويسهرُ؟
ما كانَ قديسي البعيدُ كنايةً
إن السماءَ قريبةٌ لا تُنْكَرُ
أهوَ التجلّـي للقلوبِ حقيقةٌ
أم هكذا يبدو الذي أتصوّرُ؟
يا رايةَ الفرسانِ نوحي واصرخي
حتى يضمّكِ في الجوانحِ جعفرُ
ماذا هنا: شغفٌ، حنينٌ، حيرةٌ
جبنٌ وفاكهةٌ وخبزٌ أسمرُ
وصديقةٌ مثلي تكابرُ حزنها
وصبيةٌ في لهوها تتعثرُ
والعمرُ يُقطعُ مثلَ باذنجانةٍ
وأنا ألمِّعُ مُديتي وأكَبِّرُ
يا قطتي البيضاءَ صنوكِ حاضرٌ
فلم الشرودُ على جبينكِ يظهرُ؟
لو كان صنوكِ ذاتَ يومٍ شاعرًا
لأبنتِ عن كلِّ الذي أنا أضمرُ
لو كانَ قلبي لا يطاوعُ حسرتي
أو أن عيني لا ترقُّ فتمطرُ
عذرُ الغيابِ أهشُّ عذرٍ عندنا
لكننا رغم الهشاشةِ نعذرُ