في مديح الرّيح
أَمتدحُ الرّيحَ
إذ تأتي بريحِ الأحبةِ من الشّمالْ
أَمتدحُ الرّيحَ ، أُناجيها :
يا ريحُ كوني جنوبيةً هذا المساءَ
كي تشيلي عن صدري بعض مواويل الحنين إلى البلادِ
يا ريحُ أيتها الحبيبةُ
احملي حنيني فحنينيَ زاجلٌ
تربّى في المنافي
غير أنّ أعشاشَهُ معلّقةٌ هناكَ على صدرِ أشجارٍ
في حِمَى الشمالْ …
أَمدحُ الريحَ
لأنها كالعشقِ
نرى أثرهُ
لكن لا نراهُ …
أَمدحُ الريحَ :
حّمالةَ الغيمَ الشَّهيِّ
توزع على الخلائقِ بالقسطِ
كلَّ ما يخطرُ في بالِ الغيمِ من مطر …
وأَمتدحُ الريحَ
إذ تتلو على الأشجارِ حروفَ العاصفة …
وأمتدحُ الأشجارَ أيضاً
إذ تميلُ مع الريحِ
لكنْ تظلُّ واقفة …
أمتدحُ الرّيحَ
حين تشتدُّ تراودِني عن ثيابي
تُذكرّني بأُمّي وهي تجهدُ في أن أخَلعَها
كيما تحممّني عند عتبة غرفتنا الوحيدةِ
في تلكَ الشتاءاتِ البعيدةِ زمنَ الطفولة …
أَمتدحُ الرّيحَ
إذ تحملُ منَ الحقولِ القريبةِ
صوتَ فلّاحةٍ إلتبسَ على منجلها لونُ السّنابل وضفيرتها
وهي تغذُّ في الحصادِ وفي الغناء …
أَمتدحُ الرِّيحَ
إذ تُوافيني مِنْ هناكَ
بقشةٍ من بيدرِها
يا بيدرَها الذي كانَ بحيرةً من السنابلِ والزقزقاتْ
قبل أن يحرقهُ على حينِ حربٍ
أعداءُ الحياة …
أمتدحُ الريحَ
حين تجرُّ الغيمَ الداكنَ إلى سماء الوطنِ
فتؤجّل الطائراتُ غارتَها
ولا يكونُ دمارٌ ولا قتلى …
أمتدحُ الرّيحَ – والحسدُ في نفسي –
حين لا تأبهُ بالجنودِ عندَ حواجز التفتيشِ
تعبرُ الحدودَ دون إذنٍ بالمرورِ أو جوازَ سفر …
وأمتدحُها إذْ تنتظرنا في العراء وحيد ةً
حين ندخلُ بيوتنا
ونوصدُ دونها الأبواب
وأمتدحُها فأقولُ :
يا ريحُ كم أنتِ ريحٌ :
يا دغّامةَ الجهاتِ
ماذا تركتِ في الجهاتِ
وماذا أحّملتكِ الجهاتُ حتى احتدمَ في صدركِ كلُّ هذا الأنين ؟!
وهل لي انا المنفيُّ ..
أَنْ أُفسِّرَ هذا الأنينَ : حنينَكِ الّلائبَ إلى الأمكنة ..؟!
وأمتدحُها لأنها سيدةٌ حُرة ..
لأنها تُغيّرُ مصيرَ الأشياء
وتخبرنا مع مدارِ الجهاتِ
بأنَّ الطغاةَ إلى فناء ..
وأمتدحُ الرّيحَ
لأنها عنيده ..
وأمتدحُها
لأنها منحتني هذه القصيدة ….