يَـكَادُ يَـغلِبُ صَـمتِي صَـوتَهُ صَخَبا
يَـكـادُ يَـخـلَعُ جـسـمِي رَأسَــهُ تَـعَبَا
تَـكـادُ تُـهـلِكُ نَـفـسِي نَـفـسَها قَـلَـقًا
يَـكَـادُ يَـأكُـلُ بَـعـضِي بَـعضَهُ سَـغَبا
أَكـــادُ أَشــعُـرُ أَنّــي بـيـن أَضـرِحَـةٍ
(أَحُــثّ رَاحِـلَـتيَّ: الـفـقرَ، والأَدَبـا)
تَـئِنُّ تَـحتَ ضُلُوعِي الأَرضُ هامِدَةً
كــمـا يَــئِـنُّ قَـتـيلٌ جُـرحُـهُ الْـتَـهَبا
وتَـستَغِيثُ بِـمَن لا يُـحمَدُونَ يَـدِي
وذَنـبُـها ذَنــبُ حُــرٍّ تـاجَـرُوا فَـأَبَى
وقــال لا وبِــلادِي؛ لـسـتُ مُـتَّـجِهًا
إِلــى الـدَّنـاءَةِ.. إِنّــي عـائِـلٌ شُـهُـبا
وإِنّ كُــلَّ سَـبـيلٍ لا تُـحِيلُ إلـى ال
سّـمـاءِ، لـسـتُ إلـيها مـاضِيًا حُـقُبا
لِـيَ الـبِلادُ.. وحَـسبِي أَن أموتَ بها
بِــغــارَةٍ.. أَو بِــدَيـنٍ أكــثَـرَ الـطَّـلَـبا
فَـلَـيـس كُـــلُّ مَــكَـانٍ آمِــنٍ وَطَـنًـا
ولــيـس كُـــلُّ بَــرِيـقٍ لَامِـــعٍ ذَهَـبـا
ولا أَنـا ابـنُ بِـلادِي إِن عَـبَرتُ عـلى
دِمــائِـهـا، لِأَنَــــالَ الــعــارَ والـرُّتَـبـا
تَـرَكـتُ دون ثَـرَاها الأَرضَ بـاسِطةً
ذِرَاعَــهـا، وتَــرَكـتُ الــجَـوَّ مُـرتَـقِبا
وقـلـتُ: لا وبِــلادِي؛ لـستُ مُـتَّخِذًا
مـع الضَّياعِ شَرِيكًا، ضاقَ، أَو رَحُبا
وكـيـف دون بــلادِي أَرتَـضِـي بَـدَلًا
أَعَـــن أَبِـيـهِ فَـقِـيرٌ يَـسـتَعِيرُ أَبــا؟!
أُحِـبُّـها.. وأُحِــبُّ الـعَـيشَ مُـنـتَزَعًا
بِـقُـربِها، وأُحِــبُّ الـمَـوتَ مُـكـتَسَبا
أُحِـبُّـهـا.. وأَصُـــومُ الــدَّهـرَ نـافِـلَـةً
لـها، ولِـي، وأُصَـلِّي فـوقَ مـا وَجَـبا
أُحِـبُّـهـا.. وعـيُـونُ الـدَّائِـنِينَ عـلـى
دَفَــاتــري، كَــذِئـابٍ آنَــسَـت لَـهَـبـا
أُحِــبُّـهـا يَـمَـنِـيًّـا.. لا نَــصِـيـبَ لـــه
مِـن الـبِلَادِ، سـوى مـا قالَ، أَو كَتَبا
وأَسـتَـزِيـدُ وَفَـــاءً كُـلَّـمـا جَــحَـدَت
وكُـلَّـمـا خَـذَلَـتـنِي قُــلـتُ: لا عَـتَـبـا
كَفَى بها، وكَفَى بي، عاشِقًا، وهَوًى
تَـشَـابَـهَا.. ولِــذَاتِ الـغُـربةِ انـتَـسَبا
كَـتَـبتُ آخِــرَ بَـيـتٍ فــي قَـصيدتِها
ومــــا أَزالُ عـلـيـهـا نــازِفًـا طَــرَبـا
وكُــنـتُ أَوَّلَ بـــاكٍ صـــانَ دَمـعـتَهُ
أَمــامَـهـا، وعـلـيـهـا قَــلـبَـهُ سَـكَـبـا
وهـــا أَنـــا أَتـمـنّى أَن تَـعـودَ، ولــو
أَكَـلتُ بـين يَـدَيها الـرِّيحَ والـحَطَبا
ولا أُريــــدُ لِـعُـمـرِي غَــيـرَ خـاتـمـةٍ
فـإِنَّ أَثـمَنَ مـا فـي الـعُمرِ: مـا ذَهَبا
وإِنَّ أَصــدَقَ حُــبٍّ: مــا تُـجَـنُّ بــهِ
وإِن سُـئِلتَ لِـماذا؟! لـم تَـجِد سَبَبا!
***
لـقـد تَـعِـبتُ.. ودَاسَــت كُـلُّ فـاقِرةٍ
على دَمِي، وخَلاصِي بَعدُ ما اقتَرَبا
وقـد هَـرِمتُ.. فهل لي أَن أُسائِلَكُم
مـتـى تَـلُـوحُ بــلادي، أَيُّـهـا الـغُـرَبَا
مـتـى تَـلُـوحُ بـلادي، وهـي حـامِلةٌ
سِــوى رُؤُوسِ بَـنِيها، الـبُنَّ والـعِنَبا
مـتـى تَـعـودُ لِأَنـسَـى، أَو لِأَذكُـرَ مـا
خَـسِرتُ فـي سَـنواتٍ أَثـمَرَت كُـرَبا
مـتى تَـعودُ بـلادي، كـي يَـعودَ إِلى
صِـغـارِهِ بِـعَـشاءٍ (حِـمـيَرٌ) و(سَـبَا)
يَـقـولُ كُــلُّ غَـريـبٍ أَسـتَـجِيرُ بـه:
أَلَا يُـخَفِّفُ جُـوعًا عـنكَ مَن خَطَبا!
يَـقُـولُ لِــي عَـرَبـيٌّ سَـيـفُهُ بِـدَمِي:
لـقد غُـلِبتَ.. ولـكنْ لستُ مَن غَلَبا!
يَـقُـولُ لِــي يَـمَـنيٌّ ضــاعَ مَـوطِنُهُ:
إذا الـعُـرُوبةُ مـاتَـت فـاحذَرِ الـعَرَبا
يَـئِستُ مِـن يَـمنِيٍّ لـم يَـقِف شَـرِهًا
لِأَكْــلِ مَــن بِـبَـقايا خُـبـزِهِ احـتَـرَبا
يَـئِـستُ مِـنه إِذا لـم يَـنفَجِر غَـضَبًا
فـإنـما الـيَـمنيُّ الـيَـومَ مَــن غَـضِبا
***
مـتى تَـعودُ بـلادي.. كـي أَقـولَ لها
لـقد تَـعِبتُ.. وأَسـعَى نَـحوَها رَهَـبا
كـم انـكَسَرتُ عليها، وانكَسَرتُ بِها
فـمـا جَـعَـلتُ لِـنَـفسِي دونـهـا أَرَبــا
ولا وَجَـدتُ لِـرَأسِي مَـضجَعًا.. وأَنا
مَـنِ الـفُؤادَ -نَـفِيسًا- والـهَوَى، وَهَبا
لـقـد حَـمَـلتُ إِلـيـها الــرُّوحَ دامِـيَةً
ومـا حَـمَلتُ حَـدِيدًا يَـرتدِي خَـشَبا
أُريــــدُ أَن أَتَــمـشَّـى دون أَجـنِـحَـةٍ
تُـعِـيقُني، وعُـيُونٍ تَـكشِفُ الـحُجُبا
أُرِيــــدُ أَن أَتَــحَـلَّـى بِـالـغَـبـاءِ بــهـا
لـكـي أُصَــدِّقَ هــذا الـواقِـعَ الـكَذِبا
أُرِيــدُ أَن أَتَـسَـلَّى كـالـصِّغارِ.. لـكي
تُـحِـسَّ أَنَّ حـيـاتي لــم تَـكُـن لَـعِبا
ولا أُريــــدُ لِــغَـيـري أَن يُـسـائِـلَـني
لِـمَ الـغِيابُ؟! ولا أَن يُـبدِيَ الـعَجَبا
يَــرَونَـكَ ابــنَ بِــلادٍ لا سُــرُورَ بـهـا
ويَـعـجَبُونَ إِذا مــا حُـزنُـكَ اكـتَأَبا!
***
يـكـادُ يَـثـقُبُ قـلـبي شَــوقُ غـائِبةٍ
تَـــرَى ابـنَـهـا يَـتَـلاشَى عِــزَّةً وإِبــا
يـكـادُ يُـحـرَمُ حـتـى مِـن مَـجاعَتِهِ
كَـرِيـمُـها، ويُــعـادَى كُـلّـما انـسَـحَبا
يــكـادُ يَـفـقِـدُ حـتـى أَرضَ غُـربَـتِهِ
وضِـيـقَها.. يَـمـنِيٌّ ضــاقَ فـاغـتَرَبا
أَتَـسـتَـقـيمُ بِــــلادٌ لا مُــقــامَ بــهــا
لِـغَـيـرِ مَـــن بِــهَـوَانٍ قَـبَّـلَ الـرُّكَـبا!
أَتَـسـتَـقـيمُ بــــلادٌ لا عَــشَــاءَ بــهـا
لِـشـاعـرٍ لـــم يُـحَـوِّل رَأسَــهُ ذَنَـبـا!
أَتَـسـتَـقِيمُ وفـيـهـا ســاسَـةٌ سَـقَـطٌ
وكُـلُّ مَـن شـاءَ مِنهم حُكمَها انقَلَبا!
فـــلا الإِمـــامُ إِمـــامٌ بـعـد عَـودَتِـهِ
ولا الـرَّئـيسُ رَئـيـسٌ بـعـدما هَـرَبـا