مَن أطلَقَ الصوتَ الذي لا صوتَ له؟/شعر: صالح أحمد (كناعنه)

عينٌ على الأقصى، وأخرى في مَعاد

هل غادر الشّعراءُ، أم باتَت لصخرةِ مَقدسي ترنو القصيدة؟

أم عادت الأعرابُ يُغريها التّشَعُّب؟

ضَع فوقَ كَفّي راحَتَيكَ أخي… إذا التأمَ الضّواري والعَوادي

وإذا تنكّرَتِ البوادي  للبوادي…

وإذا تقاسَمَني الطّريقُ إلى القصيدة…

لتعودَ أخلاقُ القبيلة تَنتَشي في رِحلتي نحو التِقاطي وُجهَتي..

لمَواجِعٍ لم تستَقيني حينَ واجَهَني دَمي!

وهربتُ من عَدَمي إلى عَدَمي

الكلُّ يَسكُنُني على نَدَمي

يا رايَةً ما عِشتُها زَمَنًا

كفّي على وَجَعي، ولي حِمَمي

ها كلّ ما ألقاهُ يُقلِقُني

وبكلِّ أفقٍ مصرَعي ودَمي

ساروا وسِرتُ؛ أضاعَني هَدَفي

قالوا وقُلتُ… فأينَ مُعتَصَمي؟

اليَعرُبِيُّ أنا ولي صِلَةٌ

بالعارِبينَ، وشاهِدي خِيَمي

***

دَمعي على الأقصى؛ وَدَمعي مَغرَمي

كل الحَوادِثِ تستَريحُ لَدى دَمي

الأرضُ أصغَرُ من ضَياعِ ملامِحي فيها..

وتشرَبُ من نَزيفي!

كيفَ استَقى وَهمٌ بقايانا وأسلَمَنا…

لتُنكِرَنا الجهاتُ، وأبجديّاتُ المكوثِ على خَطَر؟

خَطرٌ خَطَر..

عينٌ على الأقصى، وأخرى للخَبَر

كل الحوادِثِ تبتغي قومي سبايا…

للسّبايا لا أثر.

للقدسِ أغنيتي، وأغنِيَتي بلا قلبٍ، بلا وزنٍ…

ويخنِقُني الوَتَر.

لا شيءَ يَفقِدُني…

فقَدتُ ملامِحي.

وسكَنتُ مرآةً كسَرتُ جُنونَها ليَضِجَ إنساني،

وإنساني غَدي.

وأفِرُّ من قَدَري إلى قَدَري..

الكلُّ يُشبِهُني سوى أثري

وأطيرُ من ليلٍ يُحاصِرُني…

لأعيشَ في كونٍ منَ الصّوَرِ

وأنا القَتيلُ قَبَستُ من وَجَعي

وجَعًا، وليتَ النّارَ من شَرَري

لو أستطيعُ غَدَوتُ أمنِيَةً

لكنّني جُرِّدتُ من مَطَري!

***

عينٌ على الأقصى، ونافذةٌ تُطِلُّ على الشّآم

صُوَرٌ…

ويذبَحُنا على شرَفِ الزّحامِ صَدى الزِّحام

صُوَرٌ…

تعريّنا بألفِ حكايَةٍ…

لنَصيرَ من وَجَعِ الكلامِ صدى الكَلام.

صُوَرٌ…

تُجَلّينا نهاياتٍ لليلِ شهرَياريٍّ…

أيحتاجُ الظّلامُ إلى ظَلام؟!

صُوَرٌ…

تراوِدُنا عن الأسماءِ في حالِ المقامِ…

ولا مَقام.

قتلى… ويبلَعُنا الزّحام..

موتى… ويُغرينا الصّدام..

غرقى؛ ويَملكُ عمرَنا الغَرَقُ

صرعى.. حدودُ جِراحِنا أفُقُ

للّيلِ عِشنا والظّلامُ بنا

يسعى إلينا… فجرُنا شَفَقُ

دمُنا مَساحاتٌ تلوذُ بنا

أثَرًا.. وعمرُ نَزيفِنا طُرُقُ

صُدَفٌ تقودُ شِراعَنا أبَدًا

للعذرِ نأوي… نومُنا أرَقُ

نمضي، ويرفُضُنا الطّريقُ خطًى

تاهَت… فهذا يومُنا غَسَقُ

***

قلبٌ على الأقصى؛ وقلبٌ للعَجَبْ..

نامَت نواطيرُ العرَب.

الشّامُ يحكُمها الغَضَب.

الثّوبُ كِسرى…

والضّميرُ “أبو لهب”!

والجرحُ إنسانٌ يريدُ من الحياةِ وسادَةً وحَطَب..

الجرحُ صوتٌ؛ لا يَخافُ على الحَنينِ من التّعَب.

الجرحُ حَرفٌ فرَّ من لغَةِ الصّخَب.

يا بائِعَ الأحلامِ! يا صَنّاجَةَ العَرَبِ!

نامَت نواطيرٌ، وقامَت أغنِيات!

شهبَندَرُ التّجارِ في سوقِ الكلامِ على غِوايَتِهِ غُلِبْ..

يا بائِعَ الأزلامِ! يا نَخّاسّةَ العرَبِ!

وجعي على وَجَعي انقَلَبْ

ليَقولَ لونُ الأرضِ والأيامُ لي:

هذا المصيرُ بما سيأتي أو يكونُ… أراهُ بي.

يا صحوَةَ الانسانِ فانقَلِبي

غَيثًا كما السُّحُبِ،

أو انسَحِبي

أفقًا منَ الشُّهُبِ؛

أو التَهِبي..

عُمرًا منَ الغَضَبِ.

***

قلبٌ على الأقصى وقلبٌ لغَدي

ويَدٌ تَشُدُّ تَشُدُّ…

تجمَعُني حكايَةَ مولِدٍ.

شَفَةٌ تَضِجُّ تَضِجُّ…

تغرِسُ بي شموخَ الصّرخَةِ الأولى…

أصيلَ المشهَدِ.

لغَةٌ تثورُ تثورُ…

تغرِسُني على شَفَةِ المصيرِ..

أنا مصيري موعِدي.

***

عينٌ على الأقصى، وعينٌ للسّراب.

وَطَنٌ… ولا لُغَةُ..

لغَةٌ… ولا وَطَنُ…

بحرٌ… ولا سُفنُ…

لا موجَ يغريني لأركَبَهُ!

كل الموانِئِ مَلجَأي مُذْ صارَني التَّرحالْ…

***

قلبٌ على الأقصى، وقلبٌ للسُّؤالْ.

هل ملّتِ الأمواجُ من عَبَثِ الرِّياحْ؟

هل غابَت الأقمارُ عن أفُقي ليبقى يُستَباحْ؟

هل تَصغُرُ الأحلامُ إن صارَت جِراحْ؟

***

للقدسِ أغنِيَتي وأغنِيَتي هَوايْ

القدسُ تَحضِنُني، فينساني سُدايْ

الأمنِياتُ تصيرُ من وَجَعي يَدًا

وتعودُ بي لَغَةً، ليسكُنَني صَدايْ

وصَدايَ إنسانُ المواجِعِ يَستَفيــ

قُ على غَدي، وغَدي تُطاوِلُهُ يَدايْ

يا صرخَةَ الوجدانِ فانتَفضي يَدًا

تُدني الشُّروقَ، هل الشّروقُ سوى جَنايْ؟

يا قُدسُ يا عمرَ الشّموخِ على جَبيــ

نِ الكونِ، يا دَفقَ الحَيا يُحيي رَجايْ

يا قُدسُ يا صوتَ الضّميرِ الحُرِّ في

زَمَنٍ تَحاماني، ويَستَجدي عَطايْ

يا قُدسُ لا؛ ما كُنتِ بي؛ جرحًا يَفيــ

ضُ، ليَنتَشي من كَهفِ أحلامي هُدايْ

يا قُدسُ يا جُرحي، ويا فَرَحي، ويا

قَهري، ويا صَبري، ويا معنى رُؤايْ

قومي اجمَعيني صَرخَةً محمومَةً

في صَدرِ إنساني، وكوني بي نُهايْ

***

قلبٌ على الأقصى، وقلبٌ للظّنونْ.

زمَنٌ يُفيقُ من الجُنونِ على جُنونْ!

والصَّمتُ يغدو عندها وطَنًا لمن دُنياهُ يَحكُمُها الأرَقْ.

تَمضي السنونُ بلا عَبَقْ.

بحثًا عن الأسطورَةِ الأخرى يظَلُّ خيالُنا يَمضي بنا..

ونظَلُّ نلهَثُ خلفَ أحلامٍ تُخبِّئُ موتَنا..

العمرُ رحلَةُ تائِهٍ…

الحلمُ فيهِ جُنونُنا.

يا قُدسَنا…

يا صوتَنا الباقي على شَرَفِ الحَياءْ.

يا حَرفَنا المَنفِيَّ من لُغَةِ الخَواء.

يا لونَنا المَحكِيَّ في شَغَفِ الصّفاءِ…

طريقَنا لرِضا السّماءْ.

يا قدسُ يا عمرَ الضَّياءْ!

قلبي على الأقصى وروحي في شَقاءْ…

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!