أراكَ السكونَ الذي يتكلَّمْ،
وفي صمتِهِ تنثني الكائناتُ وتَحلُمْ،
كأنَّ البدايةَ نَفَسٌ من ضياءٍ قديمٍ،
تجلّى فكنتَ، وكنتُ، وسرُّكَ فيّ يتمّمْ.
تقولُ،
فتنهالُ أسرارُ فجرٍ، ويُغمَى العَلَمْ،
كأنَّ الحنينَ نبوءَةٌ لم تزلْ في المدى تترنَّمْ،
وأنَّ الحروفَ مرايا الزمانِ إذا انكسرتْ،
تُعيدُ الوجوهَ لظلٍّ تألَّمْ.
تُناديني الآنَ،
أصغي إليكَ كأنَّ الوجودَ يُعيدُ النَّسَمْ،
كأنَّ الفناءَ يلوِّحُ منك، ويُخفي ابتسامَ العَدَمْ.
أأحبُّكَ؟
بل أنتَ معنى اتّساعِ المدى،
ووهجُ الطقوسِ إذا احتمَمْ،
وأنتَ اشتعالي، وسُكنايَ في لحظةٍ لا تُشمَمْ.
فلا تسألوني عني إذا ما غفوتُ،
فإنّي أذوبُ بماءِ رؤاهُ،
وأكملُ ذاتي بنقصٍ تلَمَّمْ.
بعينيكَ فجرُ المجرّاتِ يختمُ ليلَ الظُّلَمْ،
وفي جفنِها تنحني لحظةٌ
تحملُ السرَّ في وجعٍ يُلَمْمْ.
دعوتُكَ،
فجاءَ الندى من فمِ الغيمِ يكتبُني وردةً،
وجاءَ الصمتُ بعدَهُ يتمتمْ.
وإن غبتَ،
يبقى دمي في ارتعاشٍ،
كأنَّ انتظارَكَ خيطُ النَّغَمْ،
تُضيءُ شرايينيَ كي تستعيدَ مدارَ الكَلِمْ.
أنا كلّي اشتقتُ،
قالتْ روحيَ:
هو الكونُ في هيئةِ النورِ،
والقلبُ بيتُ العَدَمْ.
فهل أراكَ إذا انطفأتُ؟
وهل يشتعلني الغيابُ إذا مرَّ طيفُكَ؟
ما زلتَ في القلبِ مثلَ انتماءِ الوجودِ
لسرِّ الوجودِ،
ومثلَ الدعاءِ إذا استفاقَ النَّسَمْ.
ففيكَ اكتفائي،
وفيكَ التجلّي،
وفيكَ خلودُ الكَلِمْ،
وأغفو لأحلمَ أنّي بقربِكَ،
وأنَّ المدى ظلُّكَ المقدَّمْ.
وفي لحظةٍ حين أرجو اللقاءَ،
أراكَ بعينيَ الأخرى —
عينِ الفناءِ التي تُبصرُ الأصلَ —
فينمحي وجعي،
ويُثمرُ فيَّ الحُلُم.
ها أنتَ في القلبِ
مَلِكُ النواةِ وساكنُها،
وأنا ذرّةٌ في مدارِكَ،
أُعيدُ الصلاةَ إليكَ…
كما بدأَ الكونُ بالمُنعمْ
د. زبيدة الفول.
آفاق حرة للثقافة صحيفة ثقافية  اجتماعية الكترونية