هذي الحروف/ بقلم:زكي العلي (العراق)

هذي الحروف التي بالكاد تفهمها
كانت مسامير أجدادي على الطينِ

صحيفة المُلك قبل المُلك أملكها
والسِفرُ سِفريَ والتكوينُ تكويني

في لحظة البدء كان الماء يغمرني
ولا يباس سوى أوروك يؤويني

(العام صفرٌ) ولا تاريخ يسبقهُ
وزرقة الدم سالت في شراييني

لاشيء أقدم مني ما خلا قِدمي
وعشبة الخلد تنمو في بساتيني

هذي المسلاّت في نيبور شاخصةٌ
والعالم الحرُ حرٌّ من قوانيني

(أنام ملء جفوني عن شواردها)
ونِصف شعركَ نسخٌ من دواويني

أنا خلقت إله الحب من أرقي
وكل من جاء بعدي يقتفي ديني

لقّنتُ من جاء بعدي أبجديته
وحينَ كنت تولى الله تلقيني

كل الأساطير نسجٌ من مخيّلتي
وكل حادث دهرٍ كان تخميني

قبل الخليقة دس الله حكمته
وأودع السر والإعجاز في جيني

لما تحدث للأملاك عن بشر
سَيَعمرُ الأرض كان الله يعنيني

إذا تحيرت سل (دالي)التي اكتشفت
في غمرة الطين بعضاً من نياشيني

أنا خُلقت لأشقى هكذا كُتبت
على جبيني أن الأرض سجّيني

اقلقتُ أرضاً عليها قصتي بدأت
لما اعترضت على خلقي وتهجيني

فأرسل الماء طوفانا ليغرقني
وأرسل الفلك كيما منه ينجيني

ومن عجائب ربي حين أغرقني
بعد الممات تولى طقس تأبيني

ثم اجتباني وبث الروح في جسدي
حتى أصير مطيعا حين يحييني

قضى على نسلي الطوفان أجمعهُ
إلا قليلاً .. ولكن كان يغنيني

من القليل أعدت الأرض مزهرةً
وامتد نسلي حتى طور سينين

وجاب في الأرض يحييها ويعمرها
من الفرات جنوباً للفراعينِ

هل تعرف (الهور)؟ كان الهور مملكتي
كيشًا وسرجون كانوا من سلاطيني

هل تعرف البرج؟ كان البرج معجزتي
مدى الحضارات من نحتٍ وتلوينِ

قبل الرجال رجالي جبةً لبسوا
وروضوا الخيل تعدو في الميادينِ

وقبل أن تلبس الغادات من خفرٍ
جرّت نسائي أذيال الفساتين

عزفت والطير في أعشاشه خرس
فأصبح الطير يشدو من تلاحيني

وقلت للماء أن يجري فسال على
ظهر البسيطة فاخضرت بساتيني

لم أسرق اللوح خط اللوح في بلدي
لم أسرق اللحن كنت اللحن من حيني

هنا العراق الذي لا شيء يشبههُ
إلا العراق وهذا العز يكفيني

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!