يا يَومَنَا الأَبَــدِيَّ في الشَّهرِ الذي
خُلِقَت لِتُوصِلَنا إِليهِ الأَشهُرُ
يا مَن أَعَدتَ إِلى السَّعيدةِ وَجهَها
وعلى اليَمَانِيِّينَ لُحتَ.. فَأَبصَرُوا
وأَقَمتَ لِلعَدلِ القِيامَةَ باعِثًا
مَن في القُبُورِ تَقَطرَنُوا وتَحَجَّرُوا
وكَسَرتَ قَرنَ الظُّلمِ، حتى حارَ مِن
يَدِكَ المُبـــارَكـةِ الزَّمانُ الأَبتَــرُ
وأَمَـتَّ يَومَ وُلِدتَ عَهدَ أَئِمَّـــةٍ
والمَوتُ كالمِيلادِ.. لا يَتَكَرَّرُ
لَو قِيسَ عَهدُهُمُو بِعَهدِكَ بَعدَهُ
كُنتَ الجِنَــانَ، وكان ما لا يُغفَـرُ
يا أَكثَرَ الثوراتِ مَعرِفَةً بِما
يَشفِي الصُّدُورَ مِن الطُّغاةِ ويَثأَرُ
كالدِّينِ ثُرتَ على الضَّلالِ بِسِتَّةٍ
أَركانُــهُـــنَّ تَحَـرُّرٌ وتَحَـضُّـرُ
لَولَا العَقِيدةُ كُنتَ أَنتَ صَلاةَ مَن
حَمَلُوا الرُّؤوسَ على الأَكُفِّ وجَمهَرُوا
ومَضَوا بِعَزمِكَ ثائِرينَ.. كَأَنَّما
يَنهَى بِنَهيِهِــمُ القَضاءُ ويَأمُـرُ
دُفَــعٌ مِن السِّـوَرِ الطِّوالِ، يَؤُمُّهُم
وَطَنٌ بِكُلِّ دَمٍ هَــوَاهُ مُعَسكِــرُ
يَتَدَافَعُونَ.. ولِلخُطُورَةِ حَولَهُم
شُهُبٌ مُذَنَّبَــةٌ، ورِيحٌ صَرصَــرُ
ويُعانِقُونَ المَوتَ، دون تَحيّةٍ..
إِنّ الهُرُوبَ مِن الخُطُورَةِ أَخطَرُ
عَجِـبَ المُحَالُ لهُم، فَسَارَ وَرَاءَهُم
قَلِقًا.. يُقَدِّمُ خُطوَةً.. ويُؤخِّـرُ
وتَلَاقَتِ الفِئَتانِ.. هذا ظالِمٌ
صَلِفٌ.. وهذا ثائِـرٌ ومُثَــوِّرُ
لا صَوتَ يَومَ الثَّأرِ يَعلُو صَوتَ مَن
صَدَأُ القُيُودِ على يَدَيهِ مُزَمجِرُ
يَرنُو الطُّغاةُ إِليهِ وهو إِلى غَدٍ
يَرنُو، بِهِمَّــةِ قادِرٍ لا يُقـهَرُ
دَمُهُ يَحِنُّ إِلى التُّرَابِ، ورُوحُهُ
سُحُبٌ يَطِيرُ بِهِنَّ شَــوقٌ أَكبَرُ
ماذا على المَظلُومِ حِين يَجِفُّ مِن
طُولِ البُكَاءِ أَمَامَ مَن لا يَشعُرُ؟!
ماذا عليهِ، سِوَى انتِفاضٍ عاصِفٍ
يَلوِي ذِرَاعَــي آكِلِــيهِ ويَنـحَرُ
***
يا أَيُّها القَدَرُ الذي انبَعَثَت بِهِ
صَنعاءُ، واتَّحَدَ السَّحُولُ ولَودَرُ
وهَوَى الظَّلامُ مُضَرَّجًا بِدَمائِهِ
وكَأَنَّ لِحيَتَـهُ غُــرابٌ أَحمَــرُ
وتَهَادَت البُشرى مُجَلجِلَةً: لَقَد
حَمَلَ الإِمامُ عَصَاهُ.. والمُستَعمِرُ
يا يَومَنَا الأَبَـدِيَّ، إِنّكَ فوقَ ما
عَرَفَ المُحِبُّ وفوقَ ما يَتَصَوَّرُ
أَنَّــى لِمِثلِكَ أَن يَمُوتَ بِصَرخَةٍ
أَو أَن يُزِيحَ سَنــاهُ ليلٌ أعوَرُ
أَنَّى لِمِثلِكَ أَن تُطــالَ سَمَاؤُهُ
بِيَدٍ تَطُولُ مَعَ الرِّياحِ وتَقصُرُ
ذَهَبَ الزَّمَانُ، وأَهلُهُ، وتَسَاقَطَت
كُلُّ العُرُوشِ.. وأَنتَ حَيٌّ تُـذكَرُ
اليَومَ نَشهَدُ كم لِفَضلِكِ مِن يَدٍ
عِندَ البِلادِ، وكَم أَيَادٍ تُـذخَرُ
اليَومَ نُنشِدُ خَاشِعِينَ، ولِلأَسَى
في القَلبِ أُغنِيَةٌ تَئِـنُّ، وخِنجَرُ
في كُلِّ عامٍ نلتَقِي.. فَتَزيدُنا
شَجَنًا إِليكَ، فكيف لا نتَحَسَّرُ!
في كُلِّ عامٍ والدُّموعُ تَنُوبُ عن
كَلِماتِنـا.. وكَأننا نَتَطَـهَّــرُ
لا عُذرَ نَحمِلُهُ إِلَيكَ.. فَكُلُّنا
فِيما أَصَابَكَ مُذنِبٌ ومُقَصِّرُ
لكننا سَنُفِيقُ بَعــدَ سُبَاتِنا
هِمَمًا يُخَامِرُهُنَّ ما لا يَخطُرُ
قَسَـمًا بِرَبِّ تهامةٍ وعُدَينةٍ
إنا سَنُبعَثُ، والظَّلامُ سَيُقبَرُ
ولَسَوفَ يَرجِعُ لِلسَّعِيدَةِ وَجهُها
وعلى الغُبَارِ يُغِيرُ يَومٌ أَغبَرُ