في يومٍ مشمسٍ تنهدتُ بعمق وأنا استلقي على التربة في حوش بيتي، اغمضت عينيّ بفعل لهيب الشمس وأنا اشعر بكمٍ هائلٍ من التعبِ والارهاق، مسحتُ العرق المتصبب عن جبيني متأملاً سعفات النخيل المتراقصه بفعل الرياح الحارة.
إن عملي بالزراعة يومياً مضني جداً لكنني أجد فيه متعتي وسعادتي الابدية، ففي كل صباح أحرثُ هذه الأرض وأنثر عليها الحبوب ثم اسقيها بالماء لامتع ناظري بمشهدِ ولادة نباتاتي وثماري.
نهضتُ لأغتسل ثم خطيتُ إلى فراشي، ولم تمر ثوانٍ حتى غططت في نوم عميق.
وما هي لحظاتٌ حتى رأيتُ فتاةً تدخل إلى الحوش خلسةً لتسرِق الثِمار، كانت تلتفتُ يمنةً ويسرة وهي تلتقط ما تشاءُ بحذر شديد.
صحتُ بها:
– ماذا تفعلين هنا؟
رمقتني بنظرة غريبة وهي تبتسم ابتسامة شيطانية مخيفة، اطبقتُ شفتيّ ولم استطع النطق، فوجئتُ بِها تهرول هاربةً مِن الحوش، ولكن مهلاً.. لقد لمحتُ شيئاً غريباً شد انتباهي، لقد بدت لي إحدى قدميها وكأنها..
وكأنها قدم حمار!
تملكني الرعبُ والخوف وقلت في نفسي:
– اليست هذه هي أم حمار التي كانت تحدثنا عنها نساء الحي ونحن صغارا؟
ايعقل انها حقيقية؟
أبو احمد.. أبو احمد..
استيقظتُ مذعوراً، وضعت أم أحمد يدها على كتفي وهي تقول:
– ماذا حل بك يا رجل؟ هل رأيت كابوساً؟
اعتدلتُ بجلستي وأنا ازفر بقوة، مسحت العرق المتصبب على وجهي بيدٍ مرتجفه، قلت لها بصوت مضطرب:
– الزرع.. الزرع يا أم أحمد.. لقد رأيت أم حمار تسرق ثماري منه!
ضحكت وهي تقول:
– يا الهي.. يبدو أن عملك طوال النهار تحت اشعة الشمس قد أثر على عقلك.. لقد كان حلماً يا رجل، أم حمار ليست سوى خرافة كانت تحكيها لنا الجدات.
ربتت على كتفي بِحنان وهي تستطرد:
– استرح قليلاً لاحضر لك الغداء.
ثم غادرت المكان.
ذهبتُ إلى الحوش وفتحت الصنبور، ملئت كفيّ بالماء البارد لاغسل وجهي، تنهدت بعمق وأنا افكر بحديث أم أحمد، حملتُ الخرطوم لاثبت طرفه بقوة في صنبور الماء، ثم مسكت بالطرف الآخر لارميه ناحية النخل، تأملتُ نبتات الطماطم المتسلقة وعلى الجانِب الآخر نبتات البقل والنعناع، لمحتُ شيئاً لفت نظري، خفق قلبي بعنف وأنا اتمنى بقرارة نفسي بأن ما تراه عيناي ليس حقيقياً!
اقتربتُ ببطءٍ نحو الزرع لأجِد آثاراً لأقدامٍ بشرية و أخرى لحمار!
من أدب ما وراء الطبيعة