لصحيفة آفاق حرة
*****************
بعد مشادة كلامية عبر الواتس ،قرر أخذ إجازة من الواتس إلى أجل غير مسمى .سئم التراشق بالكلمات في واتسٍ بلا حسيب أو رقيب، في حرية شبه مطلقة.
هاتفه الذكي لم يعد يحتمل سيل المجموعات الواتسية المتدفق من كل صوب،لم يعد بمقدوره الرد أو قراءة طوفان الرسائل الواردة من كل مكان.
إتخذ قراره وأطفأ جهازه متذرعا بأنه قد(( تفرمت) !!
الإدمان على الواتس ،كما يقول، قد سلبه مالاً لم يكن ليتصور أن ينفقه بحب وشغف على ذلك الإبتكار البديع.رغم ذلك فقد زعم أن لاطائل من ذلك.
زوجته أيضاً إشتكت كونه يطيل الإنشغال بالواتس وتركها لحالها،ولكونه منشغل عن أولاده قليلاً.
دُعِيَ ذات مرة لحفل زواج أحد أقربائه عن طريق قريب له ،وتساءل القريب ذاك،عن سبب عدم علمه بالدعوة وقد نُشِرَ ذلك عبر الواتس.
وتلبية للدعوة ذهب ،في مقيل ذلك اليوم ،كان أغلب المدعوين ،مشغولين بمطالعة هواتفهم ، وقد ران صمت غريب يقطعه صوت الموسيقى المنبعثة من جهاز تكبير الصوت،كان الجميع كمن على رؤوسهم الطير.أحدهم يناظر جهازه ممسكاً به وماداً ذراعه للأمام وهو متكئ باسترخاء.وآخرون يقربونه حتى يوشك أن يلامس صفحات وجوههم في استغراق كامل،هو الوحيد من أحس بالملل ذلك اليوم.
لا مناص أيضاً من شراء الجرائد بديلا عن الواتس،بيد أن ذلك لم يجدي كثيرا،فمتعة لمس شاشة الجهاز بالأنامل إلى حد التنمل يعد أمراً أكثر إمتاعاً.
إنهمك في أعمال مختلفة،كأحد أهم قراراته للتخلي عن الواتس، لكن دائما ما يأتي وقت لابد أن تساومك فيه النفس لمطالعة الواتس واخباره، فكان ينجو بنفسه باختيار التناوم بديلاً.
بات قرار اللجؤ للمتنزهات أمراً حتمياً،لكن لا متنزهات قريبة ،وإن وجدت فحتى المتنزهون لا يفارقون جوالاتهم.
تذكر الليلة التي سبقت إتخاذه هذا القرار المصيري في حياته الواتسية كما يصفها.
رسائل واتسية أدت إلى مشادة وحرب ٍ كلامية جرت أحداثها على شاشة الواتس،أحد المتحزبين اللاهثين وراء السلطة ــ كما توارد إلى ذهنه ــ كال سيلاً من السباب والشتائم وكلمات التخوين.
تدخل على إثر ذلك العقلاء في محاولة لاحتواء الوضع الذي خرج عن السيطرة.
حيث عقب أحدهم بأن الوضع لا يحتمل مهاترات جانبية وأنهم جميعاً على نفس المركب،ويجب التوحد في الكلمة والقرار..كما انبرى آخرون يؤيدونه في ذلك.
لكن حتى هذا التدخل لم يمنع المتحزب المتعصب بالعدول عن شن الحرب الشعواء عبر الواتس في مجموعة واتسية متجانسة كما قيل.
ومع كل ،لقد سنح الوقت بلقيا ذلك الشخص المتحزب ذو السباب اللاذع واللسان الطويل واتسياً.
كان اللقاء صدفة على ناصية الشارع ، بطريقة ما عرفا بعضهما.
دُهِشَ وتساءل إن كان على خطأ في توصيف خصمه كشخص مقارع،ما بدا له ثم استيقن منه أن المتحزب ذاك ليس سوى شخص يغلب على سماته الهدؤ ،بل هو هادئ الطباع وديعاً ،حتى لايكاد ينبس بشفه.
حاول أن يستدرجه في الكلام ليصفيا سؤ الفهم بود ،لكنه تفاجأ بالمتحزب يقول:
ــ في الواتس بالإمكان أن تصبح شجاعاً، وهو للبعض لسان حال،حتى الخجولين منهم.
فعبر عن إستغرابه بقوله:
ــ. حقا !
فاستدرك المتحزب:
ــ المواجهة وجها لوجه أكثر صعوبة ،إن ما يعزلنا هو شاشة الجهاز.
نزلت كلماته عليه كالصاعقة ،وقال له:
هل نعتبرالقضية سؤ فهم منتهية؟
فرد المتحزب وهو يغادر : أعتبرها كذلك.
مضى في حال سبيله هو الآخر وكله يقين أن الواتس قد يفعل الأعاجيب.
ثم مضى في بحثه عن صديق يحادثه ،فعاد أدراجه خائبا ،لقد أصبح (( الذكي)) هو الصديق الأكثر مؤانسة للجميع.
لكنه في قرارة نفسه ،كان يقول أن ثمة معلومات وأخبار فاتته وأخذت نفسه تراوده العدول عن قراره ،فهمس يخاطب نفسه:
ــ هل أفتح الواتس ،قليلاً فقط،لربما أمر ما فاتني .
في خضم هذا الأخذ والرد مع النفس ،تذكر أن له أصدقاء واتسيون ،يريد أن يأخذ معهم ويعطي وبغية الترويح عن النفس .
وبدون أن يشعر فتح الواتس وبشغف ولهفة قال:
ــ مرحبا ياصديقي ،أشتقت إليك كثيرا.