اقتلوا هذه الساذجة! /بقلم : عبير أحمد ( مصر )

 

التقطتُ هذه الصورة اليوم، وأنا في منتصف العقد الرابع من العمر.. حزنتُ كثيرًا عندما وجدتُ أنني ما زلتُ أحملُ ملامحَ طفولية ساذجة، وحزنتُ أكثر لأنني ما زلتُ أحمل أفكارًا تشبه ملامح وجهي تمامًا!
تعجبتُ.. لماذا لم أفقد عذريتي الروحية، كما فقدتُ عذريتي الجسدية سابقًا!
أعشق طريقة كتابة غادة السمان، لأنها تكتبُ عن امرأة تشبهني إلى حد كبير، أُحاطُ بعالمٍ يقسمني إلى نصفين.. نصفٌ أكاد أصدِّقُهُ، والآخر لا أريد أن أصدِّقَهُ… ربما سذاجتي البريئة تجعله عصيًا على التصديق.
تلك السذاجة دائمًا ما ترتكبُ جُرمًا في حقي، فتصفُ لي داءً يقاوم شيخوخة الروح والزمان على أنه دواء!
لذلك، لا زلتُ أصدِّقُ أن المجتمعات البرية لا تصيدُ الغزلان!
لا زلتُ أجمعُ النقودَ يوم العيد لأشتري قناعَ رجلِ الفضاءِ المخيفِ لأحرقَهُ، حتى لا يُخيفَ الصغارَ بعد ألف عام!
لا زلتُ أصدِّقُ أن بندقية الصياد لا تغتال الحمام!
لا زلتُ أتأرجحُ على أرجوحة الزمن ببطئ، لأقعَ على الأرض مكونة نقطة افتراضية تقاوم النسيان لشبح إنسان مرَّ من هنا.. وكان، وكان، وكان!
لا زلتُ أحلُمُ أن أضعَ مولودَ سِفَاحٍ اسمه الحب، لا يحملُ بطاقةَ هوية، لكنه يسافر ويجوب كل البلدان!
لا زلتُ أجمعُ بين صَخَبِ طفلةٍ تنفطر عيناها من البكاء بثوب العيد، فتهددها داخلي إمرأة عجوز!
لا زلتُ أُلَوِّحُ له بين الحين والآخر من نافذة الخيال بالورود، كأنني أُطِلُّ من نافذةِ حطام قطار لم يصل من ظنِّ المسافرين!
لا زلتُ أبتسمُ لوجهِ القهوة صباحًا، فتقتلني بوجهها الشارد.. ورغم ذلك سأبتسمُ غدًا للفنجانالجديد!
لا زلتُ أتوقُ للوقوفِ أعلى الصخرةِ على مقربةٍ من الشمس لأنصهر من اللهيب، ثم أسقطُ في النهر، رب ثم أصْعَد كزخات مطر تسقط على جسده فيبتَلَّ، لأذكره أنني يوما مررت من هناك!
لا زلتُ أنتظرُ طويلًا ساعي البريد عند قارعة الطريق، فتموت الحروف في الطريق.. ولا يأتي ساعي البريد!
لا زلتُ أبحثُ عن صورتي في جريدة قديمة، لعله يذكرني في سطر، أو مقال، أو حتى على صفحات الرثاء!
لا زلتُ أديرُ عقاربَ الساعةِ للوراءِ، أنتظرُ من جديد ذلك المراهق القديم، علَّه يأتي!
لا زلتُ أحلُمُ ألا يُحْكَمَ العالمُ بزيّ سلطانٍ أو طربوش قديم!
لا زلتُ.. ولا زلتُ…. فاقتلوا هذه الساذجة داخلي.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!