الأحمق الجميل/ قصة قصيرة/  بقلم – نجيب كيَّالي

آفاق حرة:

الأحمق الجميل
قصة قصيرة

بقلم – نجيب كيَّالي

صاحبي عروة لديه أفكار غريبة، وربما رعناء، لكنني معجبٌ به وبأفكاره. يقف عروة أمامَ المطر الهاطل، يقول:
أنا مجنونٌ بحب الحياة. خيوط المطر هذه تهطل في قلبي، فكلَّ يوم عندي ربيع جديد.
يتنهد، ويضيف: أودُّ لو أنفي الموتَ من هذا العالم. لا أكتفي بمجرد إبعاده، بل لا بدَّ أن أمسكه من ياقة قميصه، أرميه على الأرض، وأمرّغه في التراب، ثم أرسله مكبَّلاً إلى أبعد كوكب!
يُخرج من جيبه صوراً، يتمتم: أكرهه، لأنه خطف مني هؤلاء.
يظهر في الصور أبوه، وحبيبته: غادة، ومعلمه: عبد الفتاح، والمطرب: ملحم بركات الذي يحبه كثيراً.
بعد آهةٍ محرقة يتابع الكلام:
لولا الموت كان بإمكاني أن أجلسَ الآن مع أبي العلاء المعري، وجلال الدين الرومي، وأستمعَ لزرياب، وألتقطَ كلماتِ ولَّادة وهي تنشد:
أنا واللهِ أصلح للمعالي/
وأمشي مشيتي، وأتيه تيها
أمكِّنُ عاشقي من صحن خدي/ وأعطي قبلتي مَنْ يشتهيها
يبدو على وجهي احتجاجٌ صامت، فحواهُ أن الموت ضروري لتتسعَ الأرض للمخلوقات.
يردُّ عروة: حجة واهية. يمكن معالجةُ الأمر بتخفيف عدد المواليد، وبالاستفادة من الكواكب الأخرى. ملياراتُ المخلوقات في المقدور استيعابُهم في تلك النجوم التي تنتظر كالفنادق الفارغة.
فجأةً يفتح صاحبي اليوتيوب في جواله، ويأخذ في الرقص على أنغام أغنية: جيت بوقتك الشهيرة لملحم.
وقبل أن أصحو من دهشتي، يسحبني من يدي، فأشاركه الرقص!
في مرسمه، وهو مبدع في الرسم، وبينما تتحرك الريشةُ بين أصابعه تارةً، وتتوقف تارة يقول:
ليفهمني الناس يجب أن يخرجوا من بَلادتهم، ومُسلَّماتهم.
يضع الريشة، يجلس، فإذا به يبكي كطفل، ثم يأتيني صوته:
لا أتصوَّر كيف أنَّ زهرةً ستتفتح بعد خمسين سنة، ولا أراها، لا أحتمل أن بلبلاً سيجود بتغريداته على كتف الشجر ولا أسمعه، سِربُ صبايا ينطنطن فوق الأرصفة كالحجل، ولا أراهن، شاعرٌ عظيم يأتي، ولا أرتشف خمرَ قصائده. هذه الأرض لي أنا الإنسان، هي ميراثي، ومن حقي أن أستمتع بكل ما هو كائن فيها وما سيكون.
أهمُّ بأن أقول له: مهلاً يا أحلى أحمقٍ عرفتُه. لكنني أكتشف أنني وحدي، وليس عروةُ إلا أنا!
*
٢٠٢١/٧/١٤

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!