ارتدت فستانها الأسود وتزينت بأجمل الحُلي؛ جالت برأسها أفكارٌ كثيرة؛ فهذا خروجها الأول بعد الانفصال عن زوجها؛ و عودتها لأرض الوطن؛ تساءلت؛ كيف سيكون لقاؤها بالناس؛ هل ستنهال عليها الأسئلة؛ هل ستكون نظراتهم إليها قاسية؛ متفهمة؛ متعاطفة؟..
هَزَّت رأسها بقوة، و أبعدت كل تلك الأفكار من رأسها، و أنهت الاستعداد للخروج مع الأهل لحضور حفل زفاف ابنة خالتها سُمَيّة.
الحفل في أحد الفنادق الفخمة؛ تركت سيارة العائلة لموظف في الفندق ليركنها، دخلت ومن معها يتَلَفَتن يمنةً و يُسرا بحثاً عن القاعة التي يُقام بها حفل الزفاف… ثم وجدت إعلان الحفل، وصور العروسين مع سهم موجه الى حيث القاعة.
جميلة هذه القاعة، و فخمة قالت في نفسها، فَدَعَت من قلبها لابنة خالتها بالسعادة؛ بعد وقت ليس بقصير؛ خرجت من الحفل لتعدل زينَتَها وفي طريق عودتها لقاعة الزفاف، توقفت فجأة؛ وكأن العالم كله توقف، إنه هو… جالس وحده في البهو؛ حاولت إبعاد عينيها عنه؛ لكنه رآها تنظر إليه؛ هَمَّ بالوقوف ليذهب إليها و تَحيَّتها؛ لكنها كانت قد سارت إليه؛ صافحته؛ و دار بينهما حديثٌ قصير؛ تحيات؛ و اطمئنان على الصحة؛ ثم قال لها سمعت بعودتك؛ قالت له و الارتباك يبدو عليها و كلماتها ترتجف، نعم… عُدت إلى غير رجعة.
قال لها آسف لما حَدَثَ معك.
لا تأسف؛ قالت له؛ كل شيء نصيب.
سافرت لثواني بذاكرتها لذلك الزمن عندما كان يُحبُها
وكم أرسل إليها من الرسائل مع أخته والتي هي صديقتها
لكنها لم ترد عليه يوماً؛ و طلبت من صديقتها أن لا تحضر معها رسائل مرة أخرى ..
هل لأنها لم تبادله نفس الشعور؛
هل كانت تخشى أُمها .. كانت ثقة أمها بها كبيرة؛ هل خشيت أن تخسر تلك الثقة؛
لكنها أَحَبَت حُبَّهُ لها، و ربما أحبته ولكنها لم تُدرك ذلك في حينه.
أيقظها من ذكرياتها صوته وهو يتمنى لها وقتاً طيباً .. واستأذنها ليعود للحفل؛ بسعادة غامرة سألته أنتَ معنا في حفل زفاف سُمَيّة!! قال لها نعم؛ العريس شقيق زوجتي..
كادت تفقد توازنها حين سمعته يقول زوجتي..
لكنها تمالكت نفسها؛
نعم، سمعت أنك تزوجت؛ زواج مبارك، قالت له
كان لا بُد أن تُظهِر له أنها على علم بزواجه، لكن هناك نار كانت تأكلها من الداخل، لماذا أنا من ذهبت لتحيته؟.. لقد نَهَض عندما رآني؛ كان سيأتي هو ليسلم عليّ؛
ما أغباني .. قالت لنفسها
استعادت رباطة جأشها و مَدَت يدها لتودعه، ثم استدارت للعودة، أمسكت بفستانها لتصعد السلم إلى حيث الحفل، لكنه لم يصعد للعودة للحفل كما أخبرها ..
دبيب سَرَى في عظامها وهي تصعد السلم، شَعَرَت بتظراته تراقبها، حاولت جاهدة أن لا تستدير لتتأكد؛ لكنها لم تستطع التفتت للوراء؛ فرأته يقف بجانب عامود رخامي يراقبها وهي تبتعد
عادت للحفل؛ أَهدَت العروسين أطيب أمنياتها؛ واستأذَنَت بالرحيل.
عادت للبيت والندم يأكل قلبها؛
تساءلت
أهو الندم على ذهابي إليه؟
أم على خسارة حُب لن يتكرر؟..
أم لأنه تزوج؟..
لا يحق لي؛ قالت لنفسها .. حقه أن يتزوج و أن يَسعَد في حياته؛ ما الذي كنت أنتظره، أن يزهَد في الحياة، و لا يتزوج، ما هذا الذي أُفَكر فيه .
لا يحق لي أن أحزن ..
أنا التي زَهِدَت به أولاً …
و جافاها النوم.