لصحيفة آفاق حرة
رجع تلك الليلة في ساعة متأخرة لشقته بالحي الشّرقي الرّاقي للعاصمة، فوجده بباب العمارة في حالة سُكر متقدِّم، يستقر قائما بصعوبة، ويحاول جاهدا إختيار المفتاح الملائم لعروة الباب. ولما تعذّر عليه ذلك، مضى يُكلّم نفسه ولا يكاد يُبين.
حياه بأدب، مساء الخير… هل يمكنني مساعدتك ؟
أجابه خَجِلا، مساء الخير سيدي، عذرا لستُ على ما يُرام، ولم أجرأ على إيقاض زوجتي الطيبة، ولا على إزعاج حارس العمارة، فالكل هنا يحترمني كثيرا ، ويحتفظ لي بصوره مثالية منذ سنين، لا أريد أن أُُخدُشها الأن .
لا عليك أجابه. أنا أتفهم ذالك. أعرف أنك إنسان محترم بوضع إجتماعي جيد، سُمعتك طيّبة بين الجيران، غير أنني لاحظت أنك أصبحت تُغالي في الشُّرب في الآونة الاخيرة، وهو ما قد يعرض سِرّك للإفتضاح عاجلا أو ٱجلا. وإن قبلت رأيي، أنتَ بذلك تسيئ إلى نفسك أكثر ما تسيئ إلى صورتك .
صحيح سيدي، لكن المسألة أعقد مما تبدو عليه، فمشاكلي جمّة، والتزاماتي مُضنية. أمّا الكأس، فهي ما يُروّح عني ويساعدني على التحمّل والإستمرار.
لم يجد عذره مقنعا كفاية، فابتسم وأخذ حلقة المفاتيح وقال له بلهجة لائم حليم. سأُساعدُك هذه المَرّة، على أن تَعِدني أن تُفكر جِدّيا في حوارنا هذا. ستبيتُ عندي الليلة على الأريكة في البهو تفاديا للجَلَبة، وغدا يفعل اللّه ما يشاء.
قبِل على استحياءٍ عرضَه السّخِي، وشكر له موقفه النبيل وأثنى عليه بما جاد به لسانُه. عندما انفتح المصعد باللطابق الثالث، فتح باب شقته بهدوء، أوقد مِصباح البهو الحائطي الخافت، ثم أشار له على الأريكة وتمنّى له ليلةً طيبة.
في الصباح الباكر، وقبل أن يستيقِظَ أهلُ بيتِه، دخل الحمّام، أشعلَ الضوء. غسلَ وجهَه ثم نظر في المِرٱة فوجده أمامه. عيناه مُحمرّتين قليلا، لكن سَحنتُه تَشِعّ نضارةً .
سأله كيف أمضيتَ ليلتَك؟ هل نِمت جيدا؟
أجابه في حُبور: لم أنم، ولكنها كانت ليلةً هادئة. مَكّنَتني من التفكير العميق في ما دار بيننا من حديث. وقبل آذان الفجر، أخذت قراري … لقد قرّرت أن أتغير …. سأعود إلى سِيرتي الأولى، سأعود كما كُنتْ، سأعود أَنتْ…