ساعتها قرر – وبهدوء – أن يهبط من شقته بالدور التاسع ، ويتشاجر مع بواب العمارة عما حدث فى هذا الصباح .
أدار مزلاج باب الشقة ، لم يفتح بسهولة ، حاول أن يستمد من بنيانه بعض القوة لفتح هذا الباب … لم يفلح … استعاد مرة أخرى ما لديه من قوةٍ كامنة فى هذا الهيكل العظمى … كأن قوة جسده كله – التى تزن الخمسين كليو – قد تجمعت فى كفه الذى التصق بمقبض الباب … حاملاً باقة زهور بنفسيجية اللون تحت إبطه … سأل جاره عند صعوده سلم العمارة – كعادته – عن أحواله المعيشية هذا اليوم .
فأراد الرد المعتاد عليه فى كل مساء :
– حياتى هادئة يا جارى العزيز !
تنبأ أن يلقى عليه تحية الوداع ، ويكمل صعوده ، وأهب نفسه للهبوط ، ولكن خابت ظنونه … فقد حدث ما لا يخطر ببال أحد … حدث شئ عجيب حقاً … كيف يجرؤ هذا الرجل أن يفعل فعلته هذه … أن يقدم بهذا التصرف الذى لا يحمد عقباه … طالباً إياه أن يسمح له بفتح باب شقته والنوم فى غرفة نومه !
– أن أتخلى عن غرفى ووسادتى وسريرى فى لحظات !
تماسك أعصابه ، وقام بفتح باب الشقة له ، وتركه داخل شقته … يفعل ما يشاء ، وما يحلو له ، وأثناه على هذه الروح الرياضية الطيبة .
وبدأت رحلة طويلة له عند نقطة تماسه للدرجات السلمية ، وتنتهى عند المشاجرة – بل – وقد تصل لحد القتل !
– واحد … اثنين .
اصطدم بدرابزين السلم ، فتناثرت الزهور البنفسيجية على درجات السلم ، وهنا تذكر رئيسه وولعه الشديد لهذا اللون ، رغم أن لم يشاهده من قبل مرتدياً هذا اللون ، ولكنه كان يشاهده وفى راحتيه أقلام حمراء وعلى مكتبه أوراق صفراء وأخرى سوداء !
اعتدل بمنتصف السلم ، قدم القدم اليمنى ، تليها اليسرى ، وذراعيه ملتصقتان كأنهما ضلعان متوازيان بقدمه ، توقف ، أزال غباراً قد علق بحذاءه بمنديل ورقى قد ذاب وتساقطت منه بعض الوريقات المبتلة بعرق يده ، واستمر فى العد التصاعدى ….
– سبعة وعشرون … ثمانية وعشرون …. تسعة وعشرون .
ود أن يكمل الرقم ويتم الثلاثين درجة … تراءت أمامه صورة زوجته … تزرف الدمع كليلة شتاء طوبية ، تدنو كثيراً متشبثةً به إلى أن غابت عن ناظريه رويداً … رويدا .
التقط أنفاسه بصعوبة بالغة ، تثائب … جلس فى موضع وقوفه … تصاعدت من وجهه حرارة شديدة الإرتفاع ، أحس أن درجة حرارته قد زادت عن العام الماضى من ثلاثين درجة إلى ما فوق الأربعين ، فاتخذ فى قرارة نفسه قراراً بالذهاب إلى الطبيب المختص … الذى يفشل فى كل مرة بالتوصل للعلاج المناسب لحالته المرضية التى أصابته منذ سنوات عدة ، مكتفياً ببعض المهدئات والفيتامينات لتناولها صباحاً ومساءً .
– ثلاثين … واحد و ….
لفت نظره وجود عدد من البطاقات الحمراء ، قد ألف وجودها باستمرار فى شقته وعند رئيسه وفى شوارع المدينة ، أدام النظر إلى بطاقة بلون الدم قد استرعت انتباهه ، قرأها ومشى يهذى بأرقام :-
– واحد وثلاثين …. عشرة …. ألف وتسع مائة …. ثمانية وتسعين .