تقيأني شارع محمد الخامس إلى ساحة الشهداء. دروب المدينة تلتهمني، من درب الى درب، وشارع بشارع. أمضي إلى مقهى فلوريذو (flourido). طقس اليوم حار. الشمس تذوب في الأفق. أشعتها تصبغ سطوح المباني، وقبة مسجد العتيق. فتاة تعبر الطريق. خطواتها واسعة وسريعة كوثبات الفهد. شعرها الأسود متناثر فوق جبهتها وأذنيها وعنقها. أطفال يجرون وراء الكرة. يلعبون. كلاب تنبش القمامة المبعثرة هنا وهناك. قرب جدار يميل لونه الى البياض. وقد كتب عليه( ممنوع البول هنا وشكرا). يجلس بائع السجائر. بطنه منتفخ كالمرأة الحامل. العرق يسيل على جبهته. مجّ نفسا عميقا من سجارته، ونفث دخان تلاشى يوم تشكّل. أخذ يحدق فيّ بنظرات عدوانية. أسرعت الخطى مبتعدا. أمضي إلى وجهة المعلومة.
سماء الحسيمة توشحت بوشاحها الاسود، عقارب ساعة اليدوية تاهت في متاهات الزمن، كما تاهت احلام شباب الريف في سجون الوطن. منذ دلفت المدينة، وجدتها، بائسة، حزينة، خاوية، نصف شبابها هاجر الى الضفة الاخرى، والنصف الاخر موزع بين زنازن الوطن. تمكنني التعب، خارت قواي، الأن سأعرج الى منزل جدتي القابع بحي سيدي عبيد، سأزور حفيدتي أمل وأنا متيقن أن هذا الجيل سيكبر وسيقود ما بدأناه من جديد يوما.
ستصرخ حناجر الريفيين مستقبل : ب عاش الريف ولا عاش من خانه.
—