الشمس تشرق من حروفكم. بقلم. نجيب كيالي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

 

الشَّمس تشرقُ من حروفكم

قصة قصيرة
بقلم. نجيب كيَّالي. سوريا

هل يمكن أن تتحققَ الأحلام كلُّها دفعةً واحدة؟ وكأنَّ عفريتَ المصباح خرج لك من مصباحه أو من فيلم غرائبي صنعته هوليود أمُّ الغرائب! وبعد الخروج انحنى العفريت أمامك قائلاً بأدبٍ جَمّ: شبيك لبيك، كلُّ ماتطلبه سيكون بين يديك!
هذا الشعور العذب امتلأت به قلوبُ الكتُّاب في إحدى البلدان العربية حيث جمعَهم مسوؤل كبير مورَّد
الخدين، برَّاقُ العينين، حليوه، هو رئيس الوزارة الجديد، مامثله من قبل، ولا من بعد..! شعروا حين أخذ يتكلم عنهم أنَّ عسلَ الدنيا كلَّه ذابَ تحت لسانه! وأنَّ حنانَ الأمهات جميعَهُ غادر قلوبَهن، وعَسكَرَ هناك في بستان قلبه!
بعد انفضاض المجلس وصل الشاعر (بهجت الحَنَش) إلى بيته في غاية السعادة، كأنه فاز بجائزة أمير الشعراء!
بدأ يروى لزوجته ماجرى، وقد لبس بنطالَ بيجامته فقط، بينما ظل عارياً من الأعلى كأنه برتقالةٌ نصفُ مقشَّرة. أمَّا هي فسألته بلسان يعشق المال، ويكره الشِّعر: يعني هل هناك قروش على الطريق؟ مكافآت؟ دولارات؟
– قلتُ لكِ مراراً: ليس المالُ هدفي من مسألة الكتابة، لكنَّ المالَ، وأحسنَ منه، وأحسنَ من الأحسن في الطريق إلينا!
جلس الحَنَش فوق السرير، أمامه على الطربيزة كأسُ شاي يدلق دَفَقَاتٍ من سائلها الدافئ في حلقه، فيعذب صوته:
– لو كنتِ معنا لما صدَّقتِ، وَعَدَنا بتحسين الأحوال المادية للكاتب، وتجويدِ صناعةِ الكتب، وحَجْزِ الصف الأمامي في مسيرة البلد ليكون لنا، وقد قال في خطابه عبارةً رائعة.. رائعة أبكت بعضَنا، وكادت تبكي بعضَنا الآخر: الشمس لا تطلع من السماء، إنها تشرق من حروفكم أولاً.
دفعَ الحنش مابقيَ من الشاي في فمه، ثم قال:
– والأحلى يازوجتي الغالية أنه- بعد أن انتهى من خطابه- جلس بيننا كأنه واحد منا ناسياً رتبتَهُ الوزارية، حلَّ ربطةَ عنقه قائلاً: نريد أن نبحث لمؤسستكم عن اسم جديد جميل بدلاً من اسمها الباهت، فاقترحنا عليه مايلي: مؤسسة أزهار الفكر- نبع الثقافة- الإشعاع الإبداعي، فقال: لا. عندي اسم أجمل، هَمَسَهُ لي قلبي قبل لحظة. اسم بسيط للمؤسسة، هو: (أحبابُنا كُتَّابنا).
جلس الكتَّاب على باب الأمل ينتظرون تحقيقَ الوعود التي انطلقت كمطر كانون من فم الوزير الكبير، مرَّ شهر، شهران، ستة، سنة، ظلت فيها الوعود كبذرة نائمة في تراب الأمنيات! لم يظهر لها برعم أو ورقة!
وقد فوجئوا بأمر غريب، فصاحبُ الوزارة أطلقَ مثلَها لكل من التقاهم! للقضاة، والمعلمين، والخياطات، ولعمال النظافة، واستخدم العبارةَ الساحرةَ نفسَها.
للقضاة قال: من ميزانكم تشرق الشمس أولاً..!
للمعلمين: من طبشوركم تشرق أولاً..!
للخياطات: من تنوراتكن التي تَخِطْنَها تشرق أولاً..!
لعمال النظافة: من مكانسكم تشرق أولاً..!

About محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!